85

وعندما وجه له برقية وهو يدرك أنه على حافة الموت، برقية يبدو أنها لم توضع بين يديه، كان دون شك قد غفر له منذ وقت طويل؛ لذلك سأجهد الآن في أن أستدعي دون أي حقد تلك الساعات التي كانت يائسة إلى حد اعترف لي طه معه بعدها بكثير أنه فكر بالانتحار ... آه! ... لا، لم يفكر فيه زمنا طويلا؛ إذ لم تكن تلك طريقته في مواجهة العقبات. •••

كان يعمل في جريدة «كوكب الشرق» كما يعمل محكوم بالأشغال الشاقة؛ فقد كان يقضي فيها كل ساعات الصباح. وعندما حل الصيف، كانت الحرارة لا تطاق. وكان مكيف الهواء معطلا، كما كان المتطفلون الذين يغيظونه يوجدون دوما عنده في اللحظة التي يكتب فيها مقاله. أمر لا يكاد يصدق! كيف أنهم لم يدركوا أنهم كانوا يسببون له المزيد من التعب بتطفلهم هذا؟! ...

كان هناك ما هو أسوأ من ذلك. ففي أحد الأيام، دخل عليه مجهول لوحده. فبأي بصيرة استطاع طه أن يحدس أن هذا المجهول كان يحمل سكينا؟ إذ سرعان ما ضغط على مكبس الجرس الذي كان موجودا أمامه، فهرعوا إليه في الحال، وكان ظنه في محله!

كان ملاحقا ومشغولا إلى درجة لم يعد يستطيع معها رؤية أصدقائه. واستطاع علي

137

بعد لأي أن يصحبه للعشاء معه ذات مساء بعد نزهة في الجيزة. واضطر لطفي أن يطارده بإلحاح أربع مرات حتى تمكن من أن يقضي معه ساعتين. كان لطفي، الذي استقال من منصبه كرئيس للجامعة عندما عزل طه من منصبه، يشعر بالحزن والمرارة. كان يريد أن يكتب مذكراته، وأن يعود للماضي كي ينسى الحاضر وكي لا يرى المستقبل. ويبدو أن هذه المذكرات لم تكتب .

وأقيمت دعوى على الصحيفة. وذهب طه عدة مرات إلى النيابة العامة. وبعد عودته من إحدى جلساتها كتب لي:

يبدو أنني أهنت الشيخ الأكبر وكل المشايخ - رئيس الوزراء وكل الوزراء - بل ربما أهنت في النهاية كل الناس ... كان ذلك عملا أحمق وشريرا. بل إن المحقق نفسه لم يخف اشمئزازه مما كان يعمله، وكنت أود لو سمعت إجاباتي الساخرة.

وقد وصل توزيع الصحيفة تحت إدارته من 4000 إلى 20000 نسخة. لكن ذلك لم يكن ليصلح من أحوالنا المالية؛ فقد بقيت ساعات النهار مرهقة، واستمرت الخصومات التي لا تطاق مع مالك عنيد، ولم يستطع طه أن يتابع العمل في هذا الجو.

فبدون أي نوع من المساعدات، يشجعه النحاس باشا

Bog aan la aqoon