تشغل الجميع. وكان المهتمون يرفضون الدفاع عن أنفسهم أمام محكمة إنجليزية تستمر في ادعاء الاختصاص لنفسها النظر في الدعوى.
والمصريون منقسمون على أنفسهم أكثر من أي وقت مضى. وأكثرية الشعب لا مبالية أو أنها متعاطفة أو أنها تنظر للأمر باستحسان، لكنه تعاطف لا يتجاوز الشفاه إطلاقا، فهو غير مفيد. فالسعديون يحقدون على الحكومة وأنصارها ويكيلون لها الشتائم والاتهامات من كل نوع، أما العدليون فهم مبتهجون كثيرا، ولا يخفون رضاهم، لكنهم يخشون إصدار حكم بالبراءة. هذا جبن ودناءة! إنني لست مع الوفد، لكني لا أستطيع أن أرى الناس يعاملون بهذه الطريقة؛ فيقفون أمام محكمة يرأسها الأجانب، لا أستطيع أن أبقى غير مكترث إزاء هذه الإهانة الكبيرة التي توجه إلى كرامتنا.
ويقلق وهو يفكر في السيدة قرينة واصف غالي والسيدة قرينة مرقص حنا
82
وأخريات من النساء «بعضهن لسن غنيات.» ويعود إلى العدليين: «الجبناء! إنني عدلي، بل أكثر عدلية من هؤلاء الناس، ولكن هل المسألة مسألة عدلي أو سعدي؟ أوليست هي قضية مصر؟! يقال إن سعد زغلول المسكين في خطر، وإن زوجته تطلب اللحاق به ... ماذا ينتج عن كل هذا؟ لا شيء ولا شك ... فإذا أدين أعضاء الوفد فالبرلمان سيعفو عنهم، ولن يتأخر البرلمان عن ذلك؛ لذا فهناك من يستعجل لوضع حد لمطامح شريرة بدأت في الظهور.»
ويقرر طه رؤية رئيس الوزراء، ويذهب إليه. كان ثروت مرحا عندما استقبله وسأله عن أخباري؛ وما يكادان يبدآن طرق الموضوعات الخطيرة حتى يقطع حديثهما مجموعة من الزوار. فاستأذن طه بالخروج والذهاب، لكن صهر ثروت لحق به: «وتحدثنا في السياسة، وعرضت له آرائي، فأجابني: «معك حق، ولكن كيف حدث أنك لم تتحدث بذلك للرئيس؟!» فقلت: «كنت على وشك أن أفعل، لكنه لم يكن وحيدا وأنا مسافر غدا.» فصرخ: «انتظر إذن!» وتركني لحظة عاد بعدها ليقول لي إن الرئيس ينتظرني. وعدت إليه وبقيت معه أتحدث فترة من الوقت.»
ثم يجتمع بحسن باشا الذي يقنعه بعدم مغادرة الإسكندرية قبل أربعة أو خمسة أيام. كان حسن يريد استئجار بيت: «وقال لي: ستبقى معي حتى وصول سوزان؛ فرفضت. لكنه قال: إنك لا تستطيع الذهاب؛ فإذا سقطت الوزارة فإن عليك الاجتماع بثروت. وكان على حق، فبقيت.» وفي صباح اليوم التالي تصل الأنباء عن مهاجمة إنجليزي وزوجته، وكان من شأن ذلك أن يزيد الأمور سوءا. ما الذي سيفعله الإنجليز؟ وبانتظار ذلك، فإن سعد سينتقل من جزيرة «سيشيل
Seychelles » إلى جزيرة أكثر رحمة: «فذلك يرضي السعديين وبعض العدليين أيضا.»
أرجئت الأزمة وعادت الأمور ثانية إلى وضعها الطبيعي تقريبا. كان كازينو سان ستيفانو لا يفرغ أبدا؛ فكل الناس يوجدون فيه: «البعض منهم لأنهم أغنياء، والبعض الآخر لأنهم فقراء؛ الفقراء يأتون لتناول فضلات الأغنياء، وبهذه الطريقة فنحن على يقين من أننا سنجد عالما ديمقراطيا في هذه الأماكن الأرستقراطية أساسا!»
وتوشك هذه الإقامة القصيرة في الإسكندرية على نهايتها:
Bog aan la aqoon