152

كانت هناك ندوات ومؤتمرات في الخارج من جديد توجب علينا الاشتراك فيها، وفي سبتمبر 1952 عقد مؤتمر الفنانين والكتاب في البندقية.

والبندقية مدينة محبوبة وأليفة شأنها شأن فلورنسا، وشأن فلورنسا كانت تبدو لنا ملكنا إلى حد ما، لكننا - فيما عدا المؤتمرات والزحام - تعرفنا بندقية تكاد تكون شتائية؛ كان ذلك في نهاية أكتوبر، وكانت السماء تمطر دون توقف، والجو باردا، ولم نكن نستطيع وقاية أنفسنا جيدا ونحن ننتقل فيها على القوارب البخارية، كما أن التدفئة المركزية لم تكن قد بدأت في الفنادق بعد؛ فكنت أفتح صنابير المياه الساخنة لنشر الدفء في الغرفة، وكان طه يشرب في البار عصير اللوز القوي بأمل الدفء أيضا. لم يكن يحب أن يمشي وسط هذه الرطوبة، أما مؤنس وأنا، فقد كنا نتابع القوارب، ونصعد ونهبط الكثير من الجسور ونتعرف على الساحات الصغيرة وآبارها القديمة، ونلتقي ببعض الأشجار العارية. وها أنا ذا، ذات صباح، فجأة، في حضور «تانتوريتو ديلا سكوولا سان روكو

Tintoret de la Scuola san Rocco »، نادرا ما شعرت بصدمة مماثلة، وبقيت مذهولة أمام لوحة «البشارة». كل شيء يتحرك، ولم يبق شيء في مكانه في الغرفة حيث كانت ماري مبهوتة، وقبل ذلك غير مصدقة، تستمع إلى الرسول، كما لو أن الأمر زلزال أرضي؛ كان أمرا عظيما. أية جرأة في هذه العبقرية! لقد كان هذا الرجل عظيما يرى الأشياء بعظمة خارقة.

كان مؤتمر 1952 يعقد في مؤسسة «تشيني

Cini »

253

في جزيرة سان جيورجيو. المنطقة جميلة؛ فإلى جانب كنيسة «بالاديو

»، كانت صومعة البنديكتيين القديمة قد رممت وأعدت للمؤسسة باحترام وعلم وأناقة تثير الإعجاب؛ فقد رسمت الحدائق وزرعت النباتات وبني مسرح من الخضرة.

ويخيم ما يشبه البركة فوق ذلك كله، فوق هذا الإنجاز الذي ألهمه ألم عظيم؛ ذلك أن الكونت تشيني كان قد أقام ذلك الشيء الجميل للغاية تخليدا لذكرى ابنه الذي قتل خلال حادث طائرة. وأضيفت إلى الأهداف الثقافية مختلف المشاريع الاجتماعية بمعونة السلطات الحكومية؛ فقد كان من الممكن أن نرى فيها مشغلا لبناء البواخر يعمل فيه أطفال البحارة الذين كانوا في معظمهم أيتاما، وقد عرفت أنه - ذات يوم، منذ أمد قصير - وصل إلى «برينديتسي

Brindisi » مركب بنوه بأكمله وقادوه بأنفسهم. وكم أحببت لو أني رأيت هذا المركب.

Bog aan la aqoon