140

Lucena » في جو الألفة العائلية، ولطفه المرح عندما كان يرتمي على أرض الحديقة ليبحث لي عن الفراولة، وثقافة جوزفينا وفخرها وهي تقوم بالتعليق لنا على الآثار التي كانت تطلعنا عليها. جمال السماء، والأحجار الحمراء، ورقص الفلامنكو الحقيقي (الذي لم يكن خاصا بالسواح!) كل ذلك كان ممتعا لنا.

ومع ذلك - بما أن الذكريات تتداعى - فقد كان على الطريق من غرناطة إلى إشبيلية مجموعة من الناس كانت تمشي بطريقة مؤلمة: رجل، وامرأة، وطفلان. وفجأة سقطت المرأة أرضا؛ فوقفنا. وساعد السائق الرجل في حمل امرأته المغمى عليها إلى السيارة، في حين حمل مؤنس الطفلين، وأمكننا أن نودعهم جميعا في أول مركز للإسعاف. وسألت السائق: «لا شك أن سقوط المرأة كان بسبب حملها برضيع آخر؟»

فجاءني الجواب كضربة سوط: «لا، إنه الجوع.»

كان وجه الرجل مرعبا بقدر ما كان مرعبا صوت السائق. لم ينبس بكلمة واحدة طيلة الرحلة. كان يحدق في الطريق، هادئ الأعصاب، متحصنا وراء كبرياء عنيفة، رافضا حتى علبة السجائر التي قدمها له مؤنس.

قمنا بهذه الرحلة كلها بالسيارة. كانت الطرق قبل خمسة وعشرين عاما شبه قاحلة. كان السائق عسكريا. وعندما كنا نجتاز سهل «المانش

La Manche » كنا نضطر لإيقاظه من وقت إلى آخر؛ فقد كانت تأخذه سنة من النوم على امتداد الطريق الذي كان يمتد في خط مستقيم تماما؛ حيث كنا لا نرى سوى أشجار الزيتون.

أما الرحلة الرسمية التي قمنا بها في عام 1950، فقد كانت إلى مدريد وطليطلة فقط. ودشن طه خلالها معهد الدراسات الإسلامية الذي أسسه في جو ساده أعظم الود، وهناك قلده وزير التربية الوشاح الأكبر لصليب ألفونس العاشر الحكيم، يساعده في هذه المهمة المعقدة وزير الخارجية.

وفي الأكاديمية الملكية للتاريخ وضع دوق إلبا، الذي كان رئيسها، حول رقبة طه وشاحا آخر أصغر بكثير لكنه رائع الجمال. إنها ذكرى مخلصة تلك التي تربطني إلى دوق إلبا؛ فقد قام بيننا ود عفوي. كنا قد تعرفنا إليه في رحلتنا الأولى، غير أنه لم يكن ثمة ما يشير إلى أننا سوف نشعر معه بالراحة منذ اللحظة الأولى للقائنا، كما لو كنا مع صديق قديم. لقد تحسسنا جميعا هذا التماس المباشر الذي سرعان ما اكتسب طابعا عاطفيا. وكان سلوكه مع مؤنس ساحرا حقا.

كنا نريد دعوته للعشاء الذي كان على طه أن يقيمه بهذه المناسبة، وكانت الصعوبة التي واجهناها أنه لم يكن بالوسع أن نحجز له المكان الذي يليق بمن في مقامه أن يحتله؛ فقد كان موقفه من نظام الحكم أنوفا بقدر ما كان رصينا ... وكانت الحكومة هي التي تستقبلنا. ففاتحته بذلك في منتهى البساطة، وأجابني بالبساطة نفسها ألا أقيم اعتبارا لمثل هذه الأشياء، وجاء إلى الحفلة وجلس في المكان الثالث، إلا أنه جاء إلي عندما قمنا من على المائدة وقدم لي ذراعه، وتبعنا المدعوون جميعا إلى القاعة حيث كنا سنتابع الأمسية مع الموسيقى.

من الموسيقى قدم لنا الكثير، وبطريقة رائعة الجمال؛ ففي قصر باهر من القرن الثامن عشر، هو قصر «فيانا

Bog aan la aqoon