112

189

مسئولا عن الحفريات، وكانت زوجته السيدة جبرة تستقبل الأصدقاء والزوار في بيت من الآجر المطبوخ، قائم في قلب الصحراء، وسط أحجار لا تزال قائمة في مكانها وأخرى يعاد وضعها كما كانت عليه. وقد أمكن استنبات أشجار وأزهار منذ أن بات جلب الماء ممكنا إلى المنطقة.

كانت العزلة النسبية في تلك السنة نعمة أكثر من أي وقت مضى، لكن العزلة الحقيقية لم تكن بعيدة جدا. على مسافة ثلاثين كيلومترا، حيث قادنا سامي ذات صباح، كانت الرمال تتلألأ تحت النور الذهبي كشذرات من الذهب. لم تكن السيارة تجري مسرعة، كنا ذاهبين إلى دير قبطي صغير. أهو دير حقا؟! ليس ديرا على وجه التدقيق، وإنما هو أشبه بصومعة متواضعة، كان يعيش فيها راهب واحد، وكان هذا الراهب شابا، وسيما، اختار الإقامة في الصحراء ليقوم بصلاته على نحو أفضل. وقد مال إليه طه على الفور، وتحدثا مطولا. لم ينس طه هذا الصباح، وقد تحدث عنه في كتبه.

أكتب في عام 1975. وتخبرني رسالة وصلتني قبل عدة أيام من القاهرة بوفاة لوريت جبرة. إن ذكريات البيت الصحراوي ترتبط بها بشكل وثيق، فقد قضت فيه أسابيع طويلة وكانت سعيدة فيه. ومن منا يستطيع أن ينسى لطفها المؤثر؟! كنت أحب السير بصحبتها عندما توشك الشمس المتوهجة على الانطفاء مع اقتراب الليل وبدء النجوم إرسال نور سري آخر عبر السماء الواسعة.

كان أطفالها في أغلب الأحيان بصحبة طفلينا. وقد اكتشفوا ذات يوم أن للخيمة سحرا يفوق سحر البيت، فخيموا. وقد نسي الدكتور كامل، الذي حضر مرة لقضاء عدة أيام، مزاجه القاسي كطبيب شهير وتقاسم معهم بعض وجبات الطعام، لكني لا أظنه وصل إلى حد القبول بأن ينام مثلهم في الكيس!

كنا نأمل دوما بالطبع اكتشاف شيء ما، وكانت هناك اكتشافات مهمة تحدث عنها سامي في كتابه الجميل «مع آخر عبدة هرمس»، على أن ما أسعدني منها لم يكن يعتبر شيئا في نظر العلماء، وكان عبارة عن سلة صغيرة ملأى بالبيض الذي كان مصفوفا بعناية منذ ألفي سنة، وكان ينكسر بسرعة بمجرد أن يتعرض للهواء. لقد كان هذا القربان المتواضع الخارج من باطن الأرض أمامنا - مع ما يتضمنه من الالتماس المرفق به - يدهشني.

وكان طه، الذي ظل مسئولا أمدا طويلا عن كافة أراضي الحفريات، يحب على نحو خاص هذه الأرض التي كانت تبدو له وكأنها تخصه؛ فقد كان يجد فيها حضارة يحبها ما دام العالم الفرعوني كان يتحول هنا تحت تأثير الاندفاعة الهيلينية. كانت مومياءات القرود في الأنفاق تهمه بشكل عابر، غير أنه كان يتوقف في معبد بيتوزيريس. كان يمشي ببطء بين أكثر القبور تواضعا أو بين النصب الجنائزية. وذات يوم، دخلنا إلى واحد من هذه القبور، كان يشبه القبور الأخرى بدرجه الخارجي الضيق. صعدنا إلى الغرفة الصغيرة، وكان قد وضع فيها قديما جسد نحيف لفتاة كانت قد ألقت بنفسها في النيل اسمها إيزيدورا، وتقول الكتابة الموجودة على قبرها إن أباها قد طلب من أجلها القرابين والصلوات، وفجأة لاحظنا أن طه قد ابتعد عنا، ثم طلب إلينا أن نحمل إليه مصباحا قديما (وكان ذلك متوفرا) وأن نشعله بالبخور وأن نستمر في إشعاله. لم يعد سامي يدير أشغال تونا، ولا أدري إذا كان مصباح إيزيدورا لا يزال يشتعل أحيانا.

أما بالنسبة لنا، فإن العقبات ما لبثت أن عادت للظهور من جديد؛ فقد عين طه مراقبا عاما للثقافة، وطرحت حول هذا التعيين استجوابات حادة في المجلس. فقد كان هناك اعتراض عليه، لكن الوزير صمد بصلابة وكانت الأكثرية تؤيد الوزير في موقفه، لكن طه الذي تقزز من ذلك أرسل استقالته إلى الوزير الذي رفضها. حدث مزعج لكنه لم يسبب لنا مشكلات أخرى، لا سيما وأن القلق كان يزداد في العالم. فبعد النرويج

190

تم اكتساح بلجيكا،

Bog aan la aqoon