Iyadoo Abi Cala Xabsiga Ku Jirta
مع أبي العلاء في سجنه
Noocyada
ذلك شيء لا شك فيه، فأيسر النظر في كتاب الفصول والغايات يشعرك بأن أبا العلاء حاول أن يقلد قصار السور وطوالها. وليس المهم أنه وفق في هذا التقليد أو لم يوفق، بل المحقق أن التوفيق لم يقدر له كما لم يقدر لغيره، بل المحقق أنه لم يظفر إلا بمثل سجع الكهان، ولكن المهم أن هذه المحاولة ظاهرة ملموسة في الكتاب، وهي لا تضير الشيخ، ولا تلزمه إثما ولا حوبا.
وأنا لا أفهم من المعارضة الاستجابة للتحدي، ومحاولة الإتيان بسورة أو سور مثل سور القرآن، فهذا خاطر ما أحسبه خطر لأبي العلاء، فقد كان أشد تواضعا من أن تبلغ به الكبرياء إلى هذا الحد، وقد كان أعقل من أن يطاول ما لا سبيل إلى مطاولته، وقد كان أحرص على الاحتياط والتحفظ من أن يعرض نفسه لمثل هذا الخطر العظيم.
أرأيت إلى كتاب الفصول والغايات كيف يشبه اللزوميات من كل ناحية، ولا يخالفها إلا من ناحية واحدة، وهو أنه منثور، وديوان اللزوميات منظوم؟ الموضوعات واحدة، والمذاهب الفلسفية واحدة، وطريقة عرضها مفرقة مختلطة طريقة واحدة، واضطراب الشيخ فيها وتردده بين متناقضاتها هو بعينه الذي نلحظه في الكتابين، والتقيد بهذه القيود العسيرة الثقيلة هو بعينه الذي نلحظه في الكتابين أيضا.
الفصول والغايات لا يناقض اللزوميات في شيء، وحسبك أن بعضه يناقض بعضا، كما أن بعض اللزوميات يناقض بعضا. ليس بين الكتابين تناقض، ولكن أحدهما متمم لصاحبه، ومفسر لما غمض فيه. وإذا كنت آسف لشيء فإنما آسف؛ لأن هذا الكتاب قد ذهب عنا أكثره، ولم يبق لنا إلا أقله، ومع ذلك ففي هذا الجزء الذي بقي منه غناء عظيم.
وما أشد حاجتنا إلى أن يدرس هذا الجزء درسا مفصلا دقيقا، ومن يدري! لعلي أفرغ لذلك، أو يفرغ له غيري من الباحثين ذات يوم!
هوامش
الفصل العاشر
ويزعجني السفر عن باريس، وعن غرفة أبي العلاء، فتطوى كتب الشيخ مرة أخرى، وتسلم إلى شياطين السفر، فتصاحبني إلى بروكسل حيث أشهد مؤتمر المستشرقين، فأشغل به عن الشيخ، وعن حديثه الحلو المر. ومن ذا الذي لا يشغل بمؤتمر المستشرقين، وحياة أعضائه حديث في العلم إذا كان النهار، وحديث عن العلم إذا أقبل الليل؟
ولكني أعود إلى باريس فلا أفرغ للشيخ، ولا أخلو إليه على كثرة ما كانت نفسي تنازعني إلى ذلك، وإنما هو الاضطراب العنيف الذي لا بد منه لمن يريد أن يهيئ العودة إلى مصر.
ثم تكون هذه العودة، فلا أكاد أبلغ القاهرة حتى ألقي نفسي في العمل الجامعي إلقاء، وإذا أنا أشغل عن كل شيء غير هذا العمل الجامعي، وإذا حديثي إلى الشيخ أو حديثي عن الشيخ ينقطع إلا في تلك اللحظات الحلوة التي كنت أنفقها مع الطلاب في قراءة أطراف من الفصول والغايات ساعة في كل أسبوع.
Bog aan la aqoon