Mabarhanat Firma Akhira
مبرهنة فيرما الأخيرة: المعضلة التي حيرت عباقرة الرياضيات لقرون
Noocyada
لقد ساد الاعتقاد لقرون طويلة بأن إسحاق نيوتن هو من اكتشف حساب التفاضل والتكامل بمفرده ودون أي معرفة بعمل فيرما، غير أن لويس ترينشارد مور قد اكتشف عام 1934 رسالة وضعت الأمور في نصابها الصحيح، ومنحت فيرما ما يستحقه من تقدير. فقد كتب نيوتن أنه وضع حساب التفاضل والتكامل بناء على «طريقة السيد فيرما في رسم المماسات.» ومنذ القرن السابع عشر، يستخدم حساب التفاضل والتكامل في وصف قوانين الجاذبية وقوانين الحركة التي وضعها نيوتن، والتي تعتمد على المسافة والسرعة المتجهة والتسارع.
كان اكتشاف حساب التفاضل والتكامل ونظرية الاحتمالات أكثر من كافيين ليضمنا لفيرما الشهرة في عالم الرياضيات، غير أن إنجازه الأعظم كان في مجال آخر من مجالات الرياضيات. فبينما يستخدم حساب التفاضل والتكامل في إرسال الصواريخ إلى القمر، وبينما استخدمت شركات التأمين نظرية الاحتمالات في تقييم المخاطر، كان حب فيرما الأعظم لمجال عديم الفائدة إلى حد كبير، وهو نظرية الأعداد. لقد كان فيرما مدفوعا بهوسه لفهم خصائص الأعداد والعلاقات فيما بينها. إن هذا الموضوع هو الأكثر تجريدا في فروع الرياضيات وأقدمها، وكان فيرما يضيف إلى هيكل معرفي قد وصل إليه من فيثاغورس. (1) تطور نظرية الأعداد
بعد وفاة فيثاغورس، انتشر مفهوم البرهان الرياضي سريعا في أرجاء العالم المتحضر، وبعد مرور قرنين على حرق مدرسته، انتقل مركز دراسة الرياضيات من قروطون إلى مدينة الإسكندرية. في العام 332 قبل الميلاد، بعد أن غزا الإسكندر الأكبر اليونان وآسيا الصغرى ومصر، قرر أن يبني عاصمة تكون هي الأروع في العالم. وقد كانت الإسكندرية عاصمة رائعة دون شك، لكنها لم تصبح مركزا للتعلم على الفور. ذلك أنها لم تصبح وطنا لأول جامعة في العالم على الإطلاق إلا بعد أن توفي الإسكندر الأكبر، وتولى أحد قادته، وهو بطليموس الأول، عرش مصر. توافد علماء الرياضيات وغيرهم من المفكرين على مدينة بطليموس للثقافة. وبالرغم من أن سمعة الجامعة قد جذبتهم دون شك، فقد كان عامل الجذب الأساسي هو مكتبة الإسكندرية.
كانت المكتبة فكرة ديميتريوس الفالرومي، وهو خطيب مغمور كان قد اضطر إلى الهرب من أثينا، ووجد في الإسكندرية ملاذا في النهاية. لقد أقنع بطليموس بجمع جميع الكتب العظيمة معا، مؤكدا له أن العقول العظيمة سوف تتبعها. وفور إحضار مجلدات مصر واليونان، راح الوكلاء يجوبون أوروبا وآسيا الصغرى بحثا عن المزيد من الكتب المعرفية. حتى السائحون إلى الإسكندرية لم يسلموا من نهم المكتبة؛ إذ كانت كتبهم تصادر عند دخول المدينة وتؤخذ إلى النساخ. كانت الكتب تنسخ كي يهدى الكتاب الأصلي إلى المكتبة، بينما تعطى النسخة على سبيل الكرم إلى المالك الأصلي. وهذه الدقة الكبيرة في خدمة النسخ التي كانت تقدم إلى المسافرين القدامى، تمنح مؤرخي اليوم أملا في أن نسخة من كتاب عظيم مفقود سوف تظهر ذات يوم في سندرة في مكان ما بالعالم. ففي عام 1906، عثر جيه إل هايبرج في القسطنطينية على مخطوطة من هذا النوع بعنوان «ذا ميثود»، وقد تضمنت بعضا من كتابات أرشميدس الأصلية.
استمر حلم بطليموس ببناء خزينة للمعرفة حتى بعد وفاته، وبعد أن ارتقى بضعة من البطالمة إلى العرش، كانت المكتبة تضم أكثر من 600000 كتاب. كان علماء الرياضيات يستطيعون تعلم كل شيء في العالم المكتشف من خلال الدراسة في الإسكندرية حيث كان يدرس لهم فيها أشهر العلماء. فلم يكن أول من ترأس قسم الرياضيات سوى إقليدس.
ولد إقليدس عام 330 قبل الميلاد تقريبا. ومثله في ذلك مثل فيثاغورس، كان إقليدس يؤمن بالبحث عن الحقيقة الرياضية من أجل ذاتها فحسب ولم يكن يبحث عن تطبيقات لعمله. وتحكي لنا إحدى القصص عن تلميذ له قد سأله عن فائدة الرياضيات التي كان يتعلمها. وفور الانتهاء من الدرس، التفت إقليدس إلى عبده وقال له: «أعط الغلام بنسا؛ إذ إنه يرغب في الاستفادة من كل ما يتعلمه.» وطرد الطالب بعد ذلك.
كرس إقليدس الجزء الأكبر من حياته لكتابه «الأصول»، أنجح المراجع في التاريخ. فحتى هذا القرن، جاء هذا الكتاب في المركز الثاني لأفضل الكتب مبيعا في العالم بعد الإنجيل. ويتألف المرجع من ثلاثة عشر كتابا، بعضها مخصص لأعمال إقليدس، والجزء المتبقي منها تجميع للمعارف الرياضية في العصر، ومنها جزءان مخصصان بالكامل لأعمال الأخوية الفيثاغورسية. في القرون التالية لفيثاغورس، كان علماء الرياضيات قد اخترعوا العديد من الأساليب المنطقية التي يمكن استخدامها في ظروف مختلفة، وقد وظفها إقليدس جميعها ببراعة في كتابه «العناصر». وقد استخدم إقليدس على وجه التحديد سلاحا منطقيا يعرف باسم «ريدكتو أد أبسوردم» أو البرهان بالتناقض. وتستند هذه الطريقة على الفكرة المعاكسة المتمثلة في محاولة إثبات صحة مبرهنة ما عن طريق افتراض خطئها أولا. يستكشف عالم الرياضيات النتائج المنطقية في حالة أن تكون المبرهنة خاطئة. وفي مرحلة ما في التسلسل المنطقي، يظهر تناقض ما (2 + 2 = 5 على سبيل المثال). إن الرياضيات تبغض التناقض؛ ومن ثم فلا يمكن أن تكون المبرهنة الأصلية خاطئة، أي إنها لا بد أن تكون صحيحة.
لقد جسد عالم الرياضيات الإنجليزي جي إتش هاردي روح البرهان بالتناقض في كتابه «اعتذار عالم رياضيات» فقال: «إن البرهان بالتناقض الذي أحبه إقليدس للغاية هو أحد أرقى أسلحة عالم الرياضيات. إنه مناورة أرقى من أي مباراة شطرنج؛ فلاعب الشطرنج قد يعرض التضحية ببيدق أو حتى قطعة، لكن عالم الرياضيات يعرض التضحية بالمباراة.»
أحد أشهر البراهين بالتناقض التي استخدمها إقليدس قد أسس وجود ما يعرف باسم «الأعداد غير النسبية». وثمة احتمال قائم بأن الأعداد غير النسبية قد اكتشفت في الأصل على يد الأخوية الفيثاغورسية قبل ذلك بقرون، غير أن فيثاغورس قد وجد المفهوم بغيضا للغاية حتى إنه قد أنكر وجودها.
حين زعم فيثاغورس أن الأعداد تحكم الكون بأكمله، كان يعني بذلك الأعداد الصحيحة ونسب الأعداد الصحيحة (الكسور)، وجميعها تكون الأعداد النسبية. أما العدد غير النسبي، فهو ليس بالعدد الصحيح ولا بالكسر؛ وهذا هو ما جعله بغيضا للغاية لدى فيثاغورس. والحق أن الأعداد غير النسبية غريبة للغاية حتى إنه لا يمكن كتابتها على هيئة أعداد عشرية، ولا حتى على هيئة أعداد عشرية متكررة. فالعدد العشري المتكرر مثل 0,111111 ... هو عدد مباشر إلى درجة كبيرة في حقيقة الأمر، وهو يساوي الكسر 1 / 9. فحقيقة تكرر العدد «1» إلى ما لا نهاية تعني أن نمط العدد العشري بسيط للغاية ومنتظم. وبالرغم من التكرار إلى ما لا نهاية، فإن هذا الانتظام يشير إلى إمكانية كتابة العدد في صورة كسر. أما حين تحاول التعبير عن أحد الأعداد غير النسبية في صورة كسر، فإنك تنتهي بعدد يستمر إلى ما لا نهاية ودون نمط ثابت أو منتظم.
Bog aan la aqoon