Dood Cilmiyeed iyo Bulshadeed
مباحث علمية واجتماعية
Noocyada
وكان في الإمكان تدارك الشر لو أن الحكومات لا تنقاد انقيادا أعمى لأصحاب الأموال، أو كان هؤلاء يخفضون قليلا من كبريائهم، ويعترفون بحقوق من لولاهم لبارت تجارتهم وقل استثمار أموالهم، ولكن الله لما أراد بمعسكر فرعون شرا قسى قلب فرعون، ولا أظن شيئا يثير هذه الأحقاد ويبلغ بها الدرجة القصوى مثل النبأ البليد الذي جاء كاللطمة على خد الإنسانية، والذي وافتنا به شركة روتركي، تنبئ العالم أجمع بأن المساعي بين أصحاب المعامل والأموال متجهة إلى إحباط أعظم معرض في العالم؛ أعظم معرض تتجلى فيه المدنية بأبهى مجاليها، أعظم معرض يفتخر به العلم على الجهل، أعظم معرض يتباهى به الإنسان بما استنبطه عقله وصنعته يده، فكأن أصحاب الأموال يتهددون العالم أجمع بقحة لا تماثلها قحة، بأنهم سيطمسون بما أوتوه من سلطان المال أنوار العقل، ويعيدون عصور الجهل. لقد ساء فألهم، وما هم بذلك إلا خاسرون يبحثون عن حتفهم بظلفهم؛ فإن هذا النبأ الشنيع سيكون له تأثير شديد في الجمهور، كما كان له ذلك في الأفراد، ويعجل تلك الثورة المنتظرة التي تقلق الهيئة الاجتماعية منذ سنين، والتي بلغت أقصاها في هذه الأيام، ولا بد من ذلك لقوم يعقلون.
المقالة التاسعة عشرة
القتل الاجتماعي
1
الناس في كل أطوارهم على مبدأ واحد؛ فهم لا تنبههم الحوادث بنفسها مهما كانت شنيعة، ولا تنبههم إلا بمصاحباتها؛ فالقتل بأشنع صوره جار في كل يوم بين أفراد الناس وفي الحروب، بل وفي الرعايا الآمنين، وفي كل ذلك قلما تنتفض أعصاب الهيئة الاجتماعية انتفاضها لقتل رئيس أمة كسلطان أو ملك أو رئيس جمهورية. ولعل هذا هو السبب الذي لأجله يتعمد الفوضويون وسائر الناقمين على نظامات الهيئة الاجتماعية قتل أحد هؤلاء الرؤساء، لا انتقاما منه أو تشفيا من هذه النظامات، وقد يكون المقتول من أفضلهم والأشرار منهم آمنون، بل تنبيها به للأفكار وإثارة لحركة الخواطر، فلا يقف البحث حينئذ على الفعل نفسه بين استحسان وتشنيع، بل يمتد إلى أبعد من ذلك كثيرا، فيتناول موضوعات كثيرة اجتماعية تتناسى معها الجناية الأولى الصغرى، وينتبه فيها إلى تلك الجنايات الأخرى الكبرى التي تجلبها تلك النظامات الحائفة، التي تضحى فيها الأفراد والجموع، وتبذر القوى، وتصد عن استعدادها للنفع إن لم تدفع إلى التخريب، والراضي عنها الجمهور المستغرق في سبات الاقتناع بقوة العادة، أو الاكتفاء، أو المطامع الميسورة، حتى لا يظن أن في الإمكان أبدع مما كان.
فزحزحة الأفكار عن هذا الاعتقاد السقيم، الذي هو سبب جميع مصائب الاجتماع، هي غاية كل مصلح في الهيئة الاجتماعية يسعى إليها عقلاء المصلحين باللين، كبث الأفكار السامية، والحث على نشر التعليم والانتقاد، وكل ما من شأنه أن يدعو إلى الإصلاح، بالطرق السلمية البطيئة بنتائجها في كل الأحوال، ويسعى إليها الناقمون منهم الذين فرغ صبرهم بالعنف، ولو أن فيه تضحية أنفسهم على مبدأ دفع الشر بالشر لما يحدث ذلك من الرعدة التي يقصدون بها نخع أعصاب تلك الهيئة البالية من حاكم ومحكوم، وظالم ومظلوم، فيهب أصحاب الحقوق المهضومة كمن نشط من عقال للمطالبة بما هضم من حقوقهم، فوق أرض أصبحوا فيها كأن لا حق لهم أن تقلهم، وتحت سماء كأن لا حق لهم أن تظللهم، وينتبه الظالمون فيخففون من وطأتهم، ولا تعميهم مصالحهم عن مصالح سواهم.
ومن ينظر إلى تاريخ العمران من يوم نشأته إلى اليوم، لا يسعه إلا التسليم بأن مطالب الناقمين في كل عصر حق مهضوم. ولولا ذلك لما سار الاجتماع مرتقيا بإقرار الفريقين على النحو الذي سار عليه، تارة بالسكينة والهدوء، وتارة بالثورات والقلاقل، جريا على سنن ناموس النشوء والارتقاء الطبيعي حذو القذة بالقذة. والإصلاح المطلوب لا تزال الحاجة إليه ماسة اليوم كما كانت من قبل، والفرق ليس إلا نسبيا فقط؛ فكما أن الحاجة إلى الارتقاء في العالم الطبيعي لم تقف بعد، كذلك الحاجة إلى الارتقاء في العالم الاجتماعي، أي العمران، لم تنته أيضا، فلا يجوز لعاقل أن يقف عند حد قول الخاملين أو المكتفين أو الطامعين المنتفعين بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.
فقتل ماكنلي رئيس جمهورية الولايات المتحدة قد شغل الجرائد، ودار على ألسنة الناس، وأقلق الرءوس المتوجة أكثر من قتل شعب آمن يؤدي الجزية لحكومته وهو صاغر، أو قتل الألوف المؤلفة في هذه الحرب الجائرة الجارية في جنوبي أفريقيا، وأكثر من قتل مصالح الجمهور في كل يوم، وفي كل حكومة من حكومات الدنيا، ولو أنها في أعلى ذرى الإصلاح. شغلهم جميعا لا للبحث في أدواء الاجتماع ومداواتها بإزالة ما يسببها من المطامع والمظالم والمغارم، بل للضرب على أيدي الظالمين، يعنون بذلك الفوضويين، حتى اجتمع العاهلان العظيمان اللذان يقبضان اليوم على دفة الدنيا، وأخذا يفكران لا بالخفض من كبريائهما، وإصلاح شأن الجماهير بما يدفع البلوى ويقلل الشكوى، بل بالوسائل التي تضمن لهما صولجان الملك ليسوقا به الأنام كالأنعام، وتضمن لفئة من لصوص الاجتماع أسباب السلب والنهب، يصادرون ويرابون ويجمعون المال بالاحتيال للاستئثار بمنافع الأعمال التي لا ينال القائمون بها إلا ما يتبلغون به من العيش. لصوص يسرحون ويمرحون، وتحميهم الشرائع التي تعززها الحكومات.
على أنه وإن كان الجمهور قد نظر إلى هذه الفعلة الشنيعة بنفسها من حيث شناعتها فقط، إلا أن أناسا، وإن كانوا قليلين، نبهت فيهم الخواطر للبحث في أسبابها بما دعا الاجتماعيين لتعيين مواطن الداء لوصف الدواء وتقريب الشفاء، ولو أن هذا القريب بعيد جدا في تاريخ الاجتماع ولكنه أقرب من الأبعد، وكل خطوة فيه إلى الأمام تعد نقضا لحجر من ذلك البنيان الهائل الذي شادته أيدي الظالمين على مناكب الغافلين.
المقالة العشرون
Bog aan la aqoon