Dood Cilmiyeed iyo Bulshadeed
مباحث علمية واجتماعية
Noocyada
نقب في الأرض فاهتدى إلى المعادن، ورآها تلين في النار، فاصطنع منها العدد، وتفنن وأتقن، وشعر بنفسه أنه نال بها قوة ذللت له الطبيعة، فبنى البيوت واصطنع الكساء من ألياف النبات، وشق الأرض وزرع وحصد، واستثمر النبات وذلل الحيوان، وكاد يتذكر «أنه المطرود من الجنان».
رأى الأرض واسعة ومطامعه شاسعة، فامتطى الحيوان جوادا يقطع به مفاوز الغبراء، وبنى المركبات لنقل الأثقال واستطلاع مناجع الكلاء.
ضاقت به الأرض على سعتها، واعترضته البحار فبنى المراكب، وأخذ يجذف في عرض الماء، ثم اصطنع الشراع، واستقبل به مهاب الهواء. وهكذا أصبح سيد البر وسلطان البحر.
رأى التعاون أدعى إلى القوة، فانتظم جماعات، وبنى المدائن، واختط الممالك، وشاد الحصون المنيعة والقصور الرفيعة، وغرس الحدائق تجري من تحتها الأنهار، كأنه أراد أن يعيد بها «الفردوس الضائع»، وتأنق في المأكل واللباس والأثاث، وأغرب في الكماليات بعد الحاجيات حتى تخطاها إلى الزخارف.
نظر في العلوم فحفظ المعلوم، وطلب المجهول فانكشفت له أسرار الطبيعة، فاستخرج من كنوزها وأسر قواها، فاستسرى البخار واستنطق البرق، فاستعاض عن الشراع ببواخر تمخر في عرض البحار، وعن الجياد بقواطر تسابق الرياح، وتقرب الشاسع من الأقطار.
طمح ببصره إلى العلياء، فأخذ يحدق في القبة الزرقاء، وقد كان ظنها «جلدا» مصفحا وكواكبها أنوار سكان السماء، فما لبث أن اخترقها بذكائه، فعرف حقيقتها ووقف على تركيبها، وقاس ما بينها من الأبعاد كأنها منه «على قاب قوسين أو أدنى».
رأى الطبيعة قد دانت له قريبها وبعيدها، عاليها وسافلها، ظاهرها وباطنها، جمادها ونباتها وحيوانها، فعتا وتكبر، وطغى وتجبر، وشق عليه أن ليس أمامه جبار «يهدد كل جبار عنيد» ليقول له: «فها أنا ذاك جبار عنيد.» حتى شاد من الأوهام حقائق، وقام يناصب آلهته العدوان، كأنه تذكر أنه «طريدها في سالف الأزمان».
رأى كل ذلك، فرآه حقيرا في عينيه ذليلا لديه، «أي مكان يرتقي؟ أي عظيم يتقي؟» فلم يجد أصعب على نفسه منه هو نفسه، فسعى ليقهر بعضه بعضا، ويسود بعضه على بعض؛ إنسان على إنسان، وقبيلة على قبيلة، وأمة على أمة، وفرد على أمة. فسن الشرائع، ووضع القوانين توافق أميال القوي وتهضم حقوق الضعيف، فظلم وهو ينادي بالعدل، وتجبر وهو يعلم الناس التواضع، وعتا وهو يوصيهم بالحلم.
شرائع أصلها «العادات»، وقوانين لم تتخط المألوف، ثبتت على مر الأزمان، مع أن العادات تتغير، وكذلك الإنسان. شرائع لم يقتصر فيها على المعاملات، بل تناول بها ما وراء المنظور؛ لكي تكون أوقع في النفوس وأبلغ للمنى.
رأى كل ذلك دونه، فصبا بنفسه إلى ما وراء الطبيعة، فبنى من الأوهام أبراجا، وامتطى من الغرور معراجا، وقال في نفسه: «لعلي إله ولا أدري. ألست سيد هذه المخلوقات وسلطان هذه الكائنات؟ فهل يصح أن يكون عنصري كعنصرها وحظي كحظها؟ يوم يروح ويوم يجيء، وأرحام تدفع وأرض تبلع. لا، فأنا من عنصر أعلى؛ لذلك نفسي تصبو إليه، أصلي منه ومرجعي إليه، فأنا إله في صورة إنسان أو إنسان في نفس إله.»
Bog aan la aqoon