وربما عد من «الاثنينيين» أيضا هربارت ولوتز وفخته.
رأى أنكساغوراس 450ق.م وجود مبدأ عاقل هو سبب الحركة، وهو غير العنصر المادي لا يتحرك ولا يشعر، والعنصر المادي لا شعور له، وليس في قدرته أن يسبب حركة بنفسه، وإنما العنصر الروحي الذي وهب الشعور والتأثير والقوة والعقل، وهو الذي ينتج الحركة والحياة في هذا العالم.
ويعد الفيلسوفان العظيمان القديمان أفلاطون وتلميذه الشهير أرسطو «اثنينيين»؛ فقد سلم أفلاطون بوجود المبدأ المثالي والمبدأ المادي، وبعبارة أخرى سلم بوجود عالم الحواس وعالم المثال، ويرى أن عالم المثال نموذج يحتذيه عالم الحواس، وكذلك أرسطو قال بوجود مبدأين: المادة (الهيولي) - وهي الشيء القابل - (والصورة) وهي التي منحت القوة، فهو أيضا اثنيني، ولكن ما ذهب إليه من أن الصورة أو المثال والمادة لا ينفصل أحدهما عن الآخر، وأن لكل موجود صورة وهيولي، مثالا ومادة، روحا وجسما، يجعل مذهبه أقرب إلى «الواحدية»، أو على الأقل يجعل الاثنينية مصبوغة بصبغة الواحدية.
وقد ظلت الاثنينية ذات السلطان في القرون الوسطى لاتفاقها مع التعاليم الدينية، ويعد «ديكارت» مؤسس الاثنينية في العصور الحديثة، وقد فرق بين ما يقبل الامتداد - وهو المادة - وبين العقل وقال: إنهما عنصران مختلفان يضاد كل منهما الآخر على خط مستقيم، وكل منهما يطارد الآخر.
والعقل أو الروح ليس ماديا ولا امتداد له، وهو فاعل حر، أما الجسم أو المادة فلها امتداد ولا روح لها، والإنسان مكون من الجسم والروح معا، وحركات الجسم تنشأ عن النفس، والنفس مستقلة عن البدن وغير قابلة للفناء، وتلتقي النفس مع البدن في الغدة الصنوبرية (القلب).
وجاء سبينوزا فرأى أن الامتداد والفكر إنما هما صفتان مختلفتان لعنصر واحد يتكون منه كل شيء، الطبيعة أو الله، وليسا ناشئين من عنصرين مختلفين؛ لأن العنصرين المختلفين المتضادين تمام التضاد لا يمكن أن يتحدا، ولهذا يعد سبينوزا «واحديا».
وفي العصور الحديثة يمكن أن يعد لوتز وفخته اثنينيين. «والاثنينية العقيدة التي تعتنقها العقول الساذجة، وهي أساس الأديان كلها.»
قال هيكل في رسالته «الواحدية»: كل الأديان الغابرة والمذاهب الفلسفية القديمة «اثنينية» تعتقد أن الله والعالم، الخالق والمخلوق، الروح والمادة، عنصران منفصل بعضهما عن بعض تمام الانفصال، وإنا نجد الاثنينية في أنقى الأديان ولا سيما في ديانات التوحيد الثلاث التي جاء بها أنبياء ثلاثة ظهروا شرقي البحر الأبيض وذاع صيتهم؛ وهم: موسى، وعيسى، ومحمد . (3) قضية العالم الدينية
مما يتصل بالبحث في حقيقة الموجود مسألة شغلت عقول الناس منذ أن ابتدءوا يفكرون؛ وهي: كيف وجد العالم؟ وبعبارة أخرى كيف برز هذا العالم إلى الوجود؟ فقديما تنبه الإنسان - حتى الإنسان العادي - إلى أن هناك وحدة تشترك فيها أشياء العالم المتنوعة، أي إن العالم كله كالشيء الواحد يتصل بعضه ببعض، سواء في ذلك ما يدرك بالعين وما لا يدرك، وسرعان ما أدرك أن ظواهر العالم تحصل بنظام دقيق، وأنها خاضعة لقوانين لا تنتهك في كل أطوار الإنسان؛ من أيام طفولته إلى عصر تقدمه يرى أن كل شيء حوله من أرض تقله وسماء تظله تسير على قانون ونظام يستخرجان منه العجب، فكان فيما شاهده من نظام في الطبيعة وترتيب في الظواهر الطبيعية المتنوعة ما أثر فيه، وحمله على أن يسأل عم نشأ نظام هذا العالم؟ وكيف وجد؟
ظن فلاسفة اليونان الأولون أنهم حلوا المسألة بقولهم بوجود أصل واحد للأشياء مثل الماء كما قال طاليس، أو الجو - أنكسمندر - أو الهواء - أنكسمينيس - أو النار - هرقليطس - وأن كل موجود على قولهم يستمد وجوده من ذلك الأصل وإليه المآب.
Bog aan la aqoon