3
أفلوطين إلى العربية وسماه «لاهوت أرسطو»! وتلقى المسلمون كل ذلك بالقبول، وعدوا أقوال الفلاسفة المختلفة شرحا لحقيقة واحدة، فبذلوا جهدا عظيما في التوفيق بين أقوال أفلاطون وأرسطو ، وزاد عليهما المتدينون «القرآن»، وهذا ما فعل الفارابي؛ فقد كان مؤمنا بأقوال أرسطو وأفلاطون منزها للقرآن عن الخطأ، فمزج اللوح والقلم والكرسي والعرش والملائكة والسموات السبع بتعاليم اليونانيين الوثنيين مع ما بين أجزائها من التناقض، ومحاولة ذلك تستدعي ذكاء نادرا وتصوفا و«كشفا» وغموضا وسبحا في الخيال.
وبحث الفارابي كذلك في السياسة في كتابه (آراء أهل المدينة الفاضلة)، واختار من أشكال الحكومة الملكية الدينية، ومزج في هذا الكتاب بين آراء أفلاطون في «الجمهورية» وبين أقوال الشيعة في الإمام المعصوم؛ إذ كان سيف الدولة بن حمدان مقرب الفارابي وحاميه شيعيا.
4
وممن لهم أثر كبير في الفلسفة الإسلامية جمعية شبه سرية تسمى «إخوان الصفا» اجتمعت في البصرة نحو منتصف القرن الرابع للهجرة، ودعاهم إلى جعلها سرية كره عامة الناس وعامة المتدينين للفلسفة ومن اشتغل بها، ومحاولتهم إيقاع الأذى بالفلاسفة، وقد عد القفطي في أخبار الحكماء أسماء خمسة من أعضائها، وكان قصدهم نشر المعارف بين المتعلمين في جميع الأقطار الإسلامية، وتغيير أفكارهم الدينية والعلمية، قالوا: «إن الشريعة قد دنست بالجهالات، واختلطت بالضلالات، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة؛ لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية»، «وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال.»
5
فألفوا إحدى وخمسين رسالة ضمنوها خلاصة أنواع العلوم المعروفة لعهدهم، فهي «دائرة معارف» تشتمل على معارف العرب إذ ذاك باختصار، قالوا في أول هذه الرسائل: «إن الحكماء والفلاسفة الذين كانوا قبل الإسلام تكلموا في علم النفس، ولكنهم لما طولوا الخطب فيها، ونقلها من لغة إلى لغة من لم يكن قد فهم معانيها؛ حرفها وغيرها حتى انغلق على الناظر فيها فهم معانيها، ونحن قد أخذنا لب معانيها، وأقصى أغراضهم فيها، وأوردناها بأوجز ما يمكن من الألفاظ وبالاختصار في إحدى وخمسين رسالة.» ا.ه.
وكانت تعاليمهم فيها كذلك مزيجا من أبحاث «الأفلاطونية الحديثة» والتصوف وما قاله أرسطو في العلوم الطبيعية وما قاله الفيثاغوريون في العدد «الرياضة»، وقد كان لها أثر كبير في العقول بانتشارها بين الناس، ولكن فيها من الخلط والتشويش ما ذكر قبل، وقد ظن بعض الباحثين أن هذه الجمعية جمعية باطنية «إسماعيلية» لما بين ما يجيء فيها أحيانا وبين تعاليم الباطنية من التطابق، وقد عثر المغول عند فتحهم قلعة «ألموت» - وكانت في يد الإسماعيلية - على كثير من نسخ الكتاب.
6
وكان لأبي علي بن سينا البخاري 370-428ه شهرة فائقة في الفلسفة، وفلسفته تقرب من الفلسفة الأرسطاطاليسية الصرفة، وربما كانت أقرب فلسفات المسلمين إليها، وكتابه (القانون) كان العمدة في الطب في القرون الوسطى عند الشرقيين والغربيين معا،
Bog aan la aqoon