204

وروي: أن إسماعيل هذا قبل حبسه قد [كان] أتي له من مصر بألفي دينار ورزمتي ثياب، فسايره رجل من[باب] المسجد إلى البيت، فقال: ألك حاجة؟ فقال: لا، إنما أحببت أن أصل جناحك، فأمر له بإحدى الرزمتين وبعض المال، ومن المحبوسين: علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وكان كثير التلاوة، وكانوا في ذلك المطبق لا يهتدون إلى أوقات الصلاة إلا بقراءته لما كان قد اعتاده من قبل، ولما اشتد عليهم البلاء، وعظم الأمر، قال له عبد الله بن الحسن: يا بني، قد ترى ما نحن فيه فادع الله تعالى، وكان مجاب الدعوة، ففكر، ثم قال: يا عم، إن لأبي الدوانيق في النار منزلة لم يكن ليبلغها إلا بما فعل بنا، وإن لنا منزلة في الجنه لم نكن لنبلغها إلا بما نحن فيه، فإن شئت أن أدعو الله أن يقصر بنا في منزلتنا في الجنة، ويقصر به في منزلته في النار فعلت، فقال: لا، يا بني، وكان على هذا يعرف هو وامرأته بالزوج الصالح، وكان يسمى: علي الخير، وعلي الأغر، وهو والد الحسين الفخي الآتي ذكره، وروي أن جعفر الصادق- عليه السلام- لم يزل يبكي منذ أخرجهم أبو الدوانيق وفي الرواية: أنه لما قتل منهم من قتل ومات في حبسه من مات، أمر شيبة بن عقال إلى الموسم لينال من آل أبي طالب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن علي بن أبي طالب شق عصا المسلمين، وخالف أمير المؤمنين، وأراد [هذا] الأمر لنفسه؛ فحرمه الله أمنيته، وأماته بغصته ثم هؤلاء [ولده] يقتلون، وبالدماء يخضبون فقام إليه رجل، فقال: الحمد لله رب العالمين، ونصلي على محمد الأمين، وسائر النبيين أما ما قلت من خير فنحن أهله، وما قلت من شر فأنت به أولى، وصاحبك به أحرى، يا من ركب غير راحلته، وأكل غير زاده، إرجع مأزورا، ثم أقبل على الناس، فقال: أخبركم من ذلك بالأبخس ميزانا، والأبين خسرانا؟ من باع آخرته بدنيا غيره فهو هذا، ثم جلس، فقال الناس: من هذا؟ فقيل:[هذا] جعفر الصادق -عليه السلام-.

قالوا: ولما خرج بنو الحسن من المدينة كما تقدم، أنشأ بعض شيعتهم يقول:

من لنفس كثيرة الإشفاق

ولعين كثيرة الإطراق

جمدت للذي دهاها زمانا

ثم جادت بدمعها المهراق

لفراق الذين راحوا إلى

الموت عيانا والموت مر المذاق

ثم راحوا يسلمون علينا

بأكف مشدودة بالوثاق

ما رأينا من البرية طرا

مثلهم لو وقى من الموت واق

كرما عند ما ألم وصبرا

ليست المقرمات مثل العتاق

فيهم سيد البرية يشكو

طول حبس وغص قيد مضاق

غيبت وجهه قريش وعا

دت بمفدى مبارك سباق

وروى السيد ط بإسناده إلى محمد بن يحيى الصولي قال: سمعت[محمد بن القاسم] أبا العيناء يقول وقد تذاكرنا ذهاب بصره، قال: كان أبو الدوانيق يثق بجدي، وكان في نهاية الثقة [والعقل] فقال له: قد ندبتك لأمر عظيم عندي موقعه، وأنت عندي كما قال أبو ذؤيب:

الكني إليها وخير الرسول

Bogga 303