185

قال الفقيه حميد: ولما توفي -عليه السلام- اختلف أصحابه في دفنه، ثم اتفقوا على أن عدلوا بنهر عن مجراه، ثم حفروا له، ودفنوه، وأجروا الماء على ذلك الموضع، وكان معهم في تلك الليلة غلام سندي، فلما أصبح نادى منادي يوسف بن عمر: من دل على قبر زيد[بن علي] كان له[من المال] كذا وكذا، فدلهم عليه ذلك الغلام فاستخرجوه[عليه السلام من قبره] واحتزوا رأسه، ووجهوا به إلى هشام[بن عبدالملك] وصلبوا جثته بالكناسة، فهذا ما حكاه في (الحدائق) في سبب ظهوره وقال في (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد في فصل ذكر فيه أهل الإباء وعدد جماعة حتى قال: ومن سلك مذهب أسلافه في إباء الضيم، وكراهة الذل، واختيار القتل [وإيثار] أن يموت كريما: أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي[بن أبي طالب] -عليهم السلام-[أمه أم ولد] وكان السبب في خروجه وخلع طاعة بني مروان أنه كان يخاصم عبد الله بن الحسن بن الحسن في صدقات علي -عليه السلام- هذا يخاصم عن بني حسين، وهذا [يخاصم] عن بني حسن، فتنازعا يوما عند خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم أمير المدينة، فأغلظ كل واحد منهما لصاحبه؛ فسر بذلك خالد وأعجبه تشاتمهما، وقال لهما حين سكتا : اغدوا علي [غدا] فلست لعبد الملك إن لم أفصل بينكما، فباتت المدينة تغلي كالمرجل، فمن قائل يقول: قال زيد كذا وكذا، ومن قائل يقول: قال عبد الله كذا وكذا، فلما كان الغد جلس خالد في المسجد، وجمع الناس فمن[بين] شامت ومغموم، ودعا بهما، ورغب أن يتشاتما فذهب عبد الله يتكلم، فقال زيد : لا تعجل[يا] أبا محمد، أعتق زيد ما ملك إن خاصمك إلى خالد أبدا، ثم أقبل على خالد، فقال[له] : أجمعت ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمر ما كان يجمعهم عليه أبو بكر ولا عمر؟ فقال خالد: أما لهذا السفيه أحد يكلمه؟ فتكلم رجل من الأنصار من آل عمرو بن حزم، فقال: يا ابن أبي تراب، ويا ابن حسين السفيه، أما ترى عليك لوال حقا، ولا طاعة؟ فقال زيد: [اسكت] أيها القحطاني، فإنا لا نجيب مثلك، فقال الأنصاري: ولم ترغب عني؟ فوالله إني خير منك، وأبي خير من أبيك، وأمي خير من أمك، فتضاحك زيد، وقال: يا معشر قريش، هذا الدين قد ذهب[أفذهبت الأحساب] فتكلم عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال: كذبت أيها القحطاني، والله لهو خير منك نفسا، وأبا، وأما، ومحتدا وتناوله بكلام كثير، وأخذ كفين من الحصى فضرب بها الأرض، وقال: إنه والله، ما لنا على هذا من صبر وقام، فقام زيد -أيضا- من فوره، وشخص إلى هشام بن عبد الملك [بن مروان وهو في الشام] فجعل هشام لا يأذن له، وزيد يرفع إليه القصص، وكلما رفع إليه قصة كتب هشام في أسفلها: ارجع إلى أرضك، فيقول زيد: والله، لا أرجع إلى ابن الحارث أبدا، ثم أذن له [هشام] بعد حبس طويل، وكان في علو له فرقى زيد إليه وقد أمر هشام خادما له [أن] يتبعه حيث لا يراه ويسمع ما يقول، فصعد زيد، وكان باديا فوقف في بعض الدرج فسمعه الخادم[وهو] يقول: ما أحب الحياة إلا من ذل، فأخبر الخادم هشاما بذلك، فلما قعد بين يدي هشام وتحادثا حلف له [زيد] على شيء، فقال [له] هشام: لا أصدقك، فقال [له] زيد: إن الله لم يرفع أحدا عن أن يرضى بالله، ولم يضع أحدا عن أن يرضى بذلك منه، فقال هشام: إنه بلغني أنك تريد الخلافة، وتتمناها، ولست هناك؛ لأنك ابن أمة، فقال زيد: إن لك لجوابا . قال: تكلم، فقال: إنه ليس أحد أولى بالله ولا أرفع درجة عنده ممن بعثه وهو إسماعيل بن إبراهيم وهو ابن أمة، فاختاره الله لنبوته، وأخرج منه [محمدا] خير البشر. قال هشام: فما صنع أخوك البقرة؟ فغضب زيد حتى كاد يخرج من إهابه، ثم قال: سماه رسول الله : ((الباقر)) وتسميه أنت البقرة ؟! لشد ما اختلفتما، [و] لتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا، فيرد الجنة وترد النار، فقال هشام: خذوا بيد هذا الأحمق المائق فأخرجوه، فأخذ الغلمان بيده وأقاموه فقال هشام: أحملوا هذا[الخائن] الأهوج إلى عامله، فقال زيد: والله لئن حملتني إليه، لا أجتمع أنا وأنت جنبين وليموتن الأعجل منا، فأخرج زيد وأشخص[إلى المدينة] فما فارقوه حتى طردوه عن حدود الشام فلما فارقوه عدل إلى العراق، ودخل الكوفة فبايع لنفسه، فأعطاه البيعة أكثر أهلها، والعامل[عليها] على العراق يومئذ يوسف بن عمر الثقفي، وكان بينهما من الحرب ما هو مذكور[في كتب التواريخ].

Bogga 279