كلانا كذاب، كلانا قائل ما لم يؤمن به عقله، ولم يشعر به قلبه، وشبيه بنا من قال:
أمر بالحجر القاسي فألثمه
لأن قلبك قاس يشبه الحجرا
يريد الناظر إيهامنا، وإيهام التي يدعي حبها، بأنه يقبل الحجر البارد الأصم إكراما لمشابهته قلبها. هذه هي كذبة فاضحة، لا هي تصدقها، ولا نحن، ولا هو نفسه؛ لأنه لم يشعر قط بعاطفة في قلبه تدفعه لتقبيل الحجر. ولكان كلامه أوقع في النفس، لو اعترف بأنه يأخذ مطرقة، ويكسر بها ذاك الحجر القاسي كقلبها تشفيا وحنقا.
ثم ما هو الجمال في تشبيه قساوة القلب بالحجر.
أفي ذلك رقة شعرية، أم ضخامة حجرية! وهلا كان كلامه أدعى للتصديق وأقرب للشعور الرقيق، لو قال:
أمر بالزهر فواحا فألثمه
لأن قلبك زهر لثمه حظرا
لكن شعراءنا لا تستميلهم الرقة، التي هي مجلى الضعف، ولا يستهويهم إلا ما كان قويا صلبا، هائلا كالجبل والصخر والصحراء والبحر والجوزاء والدهر؛ ذلك لأن حماستهم الفطرية، وفطرتهم العربية، لا تطربان إلا لصليل السيوف، وهتاف الألوف، وصهيل الخيول، وارتجاج الطبول، واكتساح المعالي، واكتساب المكارم، وتشييد المفاخر، ولا ميل لهم ولا وقت ليلتفتوا إلى أشواق وميول وشواعر واهية كالظلال، ضعيفة كتنفس الأطفال، متحركة في أعماق القلب، أو إلى فكرة صغيرة ناقصة مبهمة، تدب في خلايا الرأس دبيب العنكبوت في كهف مظلم مقفر.
والآن إن لم يعجبكم الحجر فهاكم الحديد:
Bog aan la aqoon