Ma Wara Adyan
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
Noocyada
ومثل الغضب، لا يكون الخوف أيضا مدمرا في كل المواقف. ذلك أن الخوف يجعلنا أكثر انتباها ويحمينا من الخطر. وهو أيضا عامل تحفيز قوي؛ إذ يجبرنا على توخي الحذر والاهتمام برفاهيتنا. لكن عندما يستحوذ الخوف علينا، فقد يشلنا عن التصرف ويصبح حالة ذهنية هدامة للغاية. ثم إن الخوف المفرط يخلق حالة مستمرة من القلق؛ مما يضر بصحتنا. ولهذا أميز غالبا بين الخوف المنطقي والخوف غير المنطقي. وهذا النوع الأول من الخوف ليس جائزا فحسب، بل ضروري لبقائنا على قيد الحياة. إذا أتى كلب مجنون يركض نحونا، فنحن بحاجة إلى الاستجابة لهذا الخطر بالخوف. وهذا واضح. في المقابل، يحدث الخوف غير المنطقي عندما يكون مصدر التهديد نابعا إلى حد كبير مما نمارسه من إسقاط ذهني. نحن بحاجة إلى إبقاء هذا النوع من الخوف تحت السيطرة؛ لأنه غير مجد على الإطلاق ومدمر في كثير من الأحيان. وما نحتاج إليه لمواجهة الخوف غير المنطقي هو فهم أفضل للموقف الذي نحن بصدده.
هذه الطبيعة الازدواجية للمشاعر والعواطف، التي تجعل لكل منها جانبا مدمرا وآخر غير مدمر، تتضح أيضا في حالات ذهنية أخرى، مثل الشك والخزي والحزن والتنافسية، وحتى في إحساسنا بالأنا في حد ذاته. الشك هو العامل الذهني الذي يمكننا من التساؤل والسعي للفهم. ولذا، دائما ما أقول بالفعل إن جرعة من الشك أمر صحي تماما من حيث إنها تفتح عقولنا للتساؤل والمعرفة الجديدة. ومع ذلك، عندما يصبح الشك مرضيا، فقد يعيقنا ويمنعنا من اتخاذ أي إجراء حاسم. وينطبق الأمر نفسه على الخزي. على المستوى الأساسي، يعد الخزي شعورا اجتماعيا مهما له وظيفة بناءة، ولكن عندما يصبح الشعور بالخزي شديدا فقد يؤدي إلى تدني احترام الذات والحكم عليها سلبيا، وهو ليس بالأمر البناء بالطبع. أما فيما يتعلق بالأسى أو الحزن، فإن هذا الشعور يكون بناء في بعض المواقف وله تأثير إيجابي. لكنه حين يصبح أشبه بعادة ذهنية دون أي سبب واقعي، فقد يكون مدمرا، مثلما يحدث عندما يظهر في حالات الحزن المستحوذ على الذات أو الاكتئاب.
التنافسية أيضا يمكنها أن تكون بناءة، كما هو الحال عندما يدفعنا حافزنا التنافسي إلى السعي وراء تحقيق شيء أفضل أو أعلى. لكن حين تتسم التنافسية بجانب من الرغبة في إضعاف الآخرين أو إعاقتهم حتى نتمكن من التفوق عليهم، فإنها تصبح إذن هدامة.
وفيما يتعلق بالأثرة وحب الذات، فيمكننا التمييز أيضا بين نوعين منها. ذلك أن الإحساس القوي بالذات يمكن أن يكون بناء، وهو الأساس الذي يولد الثقة بالنفس، وهي تلك الحالة الذهنية التي تسمح لنا بالشعور بأنه «أجل، أستطيع القيام بهذا.» غير أن شكلا آخر من الأثرة يتجلى عندما نهمل صالح الآخرين تماما، بل ونصبح على استعداد لاستغلال الآخرين من أجل تحقيق النفع لأنفسنا؛ سعيا وراء مصلحتنا الذاتية. هذا النوع من الأثرة مدمر بلا شك.
ولهذا السبب؛ عندما نتعامل مع أمور دقيقة كالعمليات الذهنية للإنسان، من المهم ألا نبالغ في الدوجمائية. فمن الصعب تحديد ما إذا كانت حالة ذهنية معينة هدامة أم لا دون معرفة سياقها، بل ربما يكون ذلك محالا. في كثير من الأحيان، يمكننا اتخاذ هذا القرار من خلال النظر في الدافع الأساسي للعاطفة، والهدف المحدد منها، وعواقبها، وما إلى ذلك. في مجال العقل البشري إذن يجب أن نحافظ دائما على موقف من الانفتاح، والبراجماتية، والمرونة. (3) السمات المشتركة للمشاعر الهدامة
إحدى السمات التي تميز جميع المشاعر الهدامة هي أنها غالبا ما تشوه إدراكنا للواقع. إنها تؤدي إلى تضييق منظورنا، فنفشل في رؤية موقف معين في سياقه الأوسع. على سبيل المثال، عندما نشعر بشكل متطرف من أشكال التعلق، كالرغبة الشديدة أو الشهوة أو الجشع، فإننا في كثير من الأحيان نسقط على ما نرغب فيه مستوى من الجاذبية يفوق كثيرا ما يتمتع به في الواقع. نصبح عميانا حتى عن أوجه القصور الشديدة الوضوح، وبتشبثنا المفرط نخلق نوعا من عدم الأمان في أنفسنا؛ إذ نشعر بأننا في حاجة إلى الحصول على ما نستهدفه برغبتنا وأننا غير مكتملين من دونه. غالبا ما ينطوي التعلق المفرط أيضا على رغبة في السيطرة، مما قد يكون خانقا للغاية إذا كان المستهدف بتلك الرغبة شخصا آخر. ولذلك، فإن التعلق الشديد غير مستقر بطبيعته على الإطلاق. فقد نشعر للحظة بعاطفة كبيرة تجاه شيء ما أو شخص ما، لكن حين تحبط رغبتنا في السيطرة على سبيل المثال، يمكن لهذا الشعور أن يتحول بسهولة إلى الاستياء أو الكراهية.
يضيق منظورنا على نحو مماثل أيضا عندما نختبر درجة مفرطة من مشاعر النفور، مثل الغضب والكراهية والازدراء والاستياء. عندما يسيطر علينا الغضب الشديد على سبيل المثال، نتبنى نظرة سلبية تماما لما نستهدفه بغضبنا، على الرغم من أننا في لحظات الهدوء قد ندرك أن الشخص نفسه أو الشيء نفسه يتمتع بالعديد من الصفات الرائعة. إن العاطفة المفرطة القوة تفقدنا القدرة على التمييز. نعجز عن رؤية العواقب الطويلة الأجل والقصيرة الأجل لأفعالنا، فلا نستطيع التمييز بين الصواب والخطأ. ذلك أننا نصبح حرفيا، للحظة، على شفا الجنون ولا نستطيع القيام بما يخدم مصلحتنا. وبعد أن ينتهي الحدث وتهدأ العاطفة، كثيرا ما نأسف على ما فعلناه أو قلناه ونحن غاضبون!
في رحلة قصيرة إلى السويد منذ بضع سنوات، أجريت محادثة مطولة مع الدكتور آرون بيك، أحد الرواد المؤسسين للعلاج المعرفي السلوكي، وهو فرع رئيسي في العلاج النفسي الحديث أثبت فاعلية كبيرة في علاج المشكلات السلوكية والاكتئاب. عندما التقينا، كان الدكتور بيك في أوائل الثمانينيات من عمره. وكان من المثير للغاية بالنسبة إلي ما وجدته من تقارب كبير بين العديد من ملاحظاته وبين أفكار علم النفس البوذي الكلاسيكي. فقد قال على سبيل المثال، إنه في حالة الغضب الشديد، يكون تسعون بالمائة من نوعية النفور التي نراها فيما نستهدفه بغضبنا، مبالغة وإسقاطا. وهذا يتوافق توافقا وثيقا مع الفهم الوارد في النصوص البوذية الكلاسيكية.
إن جوهر كل هذه الحالات الذهنية المؤذية، هو أنها بطريقة أو بأخرى، تحجب عنا الرؤية بتعتيم قدرتنا على التمييز. فهي تجعلنا غير قادرين على الحكم بعقلانية، ومن ثم يمكننا القول إنها تسلبنا عقولنا. (4) عائلات المشاعر
أحد النهج المفيدة لفهم مشاعرنا الهدامة هو النظر إليها على أنها عائلات مرتبطة يميزها نوع الحالة الذهنية الأساسية التي تنطوي عليها. على سبيل المثال، كما قلت على سبيل المثال، المشاعر التي تنتمي إلى عائلة الغضب، كالكراهية والعداوة والحقد، تتسم بالنفور المبالغ فيه، بينما المشاعر التي تنتمي إلى عائلة التعلق، كالجشع والشهوة والاشتياق، تتسم بإحساس بالجاذبية على الدرجة نفسها من المبالغة. وفيما يتعلق بالعائلات الرئيسية الأخرى للمشاعر المؤذية: الحسد والكبرياء والشك، فهي تنطوي على خلائط من الانجذاب المفرط من جهة (مثل التعلق المفرط لدى المرء بصورة ذهنية مضللة عن ذاته في حالة الكبرياء) والنفور المفرط من جهة أخرى (مثل الشعور المفرط لدى المرء بالعداء تجاه غريم له في حالة الحسد). كما رأينا بالفعل، إضافة إلى هذا العنصر من النفور أو الانجذاب المفرط أو الخلائط غير الصحية من الاثنين، فإن جميع المشاعر المؤذية تتسم بأنها غير واقعية أو ذات منظور مضلل.
Bog aan la aqoon