Ma Wara Adyan
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
Noocyada
ولهذا، لن أقدم في الفصول التالية، أفكاري بصفتي بوذيا، ولا حتى بصفتي مؤمنا بالدين، بل بصفتي إنسانا فحسب من بين ما يقرب من سبعة مليارات إنسان آخر، إنسان يهتم بمصير البشرية ويريد أن يفعل شيئا لحماية مستقبلها وتحسينه.
الفصل الثاني
إنسانيتنا المشتركة
(1) رؤيتنا لأنفسنا
تخبرنا الملاحظة أن كيفية تعامل البشر مع بعضهم، وفي الواقع مع العالم من حولهم، تعتمد إلى حد كبير على الطريقة التي يرون بها أنفسهم. كلنا لدينا العديد من الطرق المختلفة لرؤية كينونتها وماهيتنا، وتؤثر وجهات النظر المختلفة هذه في سلوكنا. على سبيل المثال، يمكن أن ننظر إلى أنفسنا من منطلق النوع الاجتماعي كرجال أو نساء، أو كأتباع لهذا الدين أو ذاك، أو كأفراد في هذا العرق أو ذاك أو هذه الجنسية أو تلك. وقد نرى أنفسنا من منظور الأسرة، كأب أو أم، على سبيل المثال. ويمكن أيضا أن نحدد هويتنا تبعا لمهنتنا، أو مستوى تعليمنا أو إنجازاتنا. ووفقا للمنظور الذي نتبناه، نطرح توقعات مختلفة عن أنفسنا. وهذا بدوره يؤثر في سلوكنا، بما في ذلك تعاملنا مع الآخرين.
لكل فرد هويته المستقلة. ولذلك، فمن المهم للغاية في أي محاولة لوضع نهج عالمي حقيقي للأخلاق أن يكون لدينا فهم واضح لما يوحدنا جميعا، وهي إنسانيتنا المشتركة. إننا جميعا من البشر؛ السبعة مليارات نسمة بأكملهم بشر. وفي هذا الصدد، جميعنا متشابهون بنسبة مائة بالمائة.
في البداية إذن، دعونا نفكر فيما يجعل منا بشرا حقا. حسنا، أولا وقبل كل شيء، إنه واقعنا المادي البسيط: جسمنا هذا المكون من عدة أجزاء من عظام وعضلات ودم، والكثير جدا من الجزيئات والذرات وما إلى ذلك.
على المستوى المادي الأساسي، لا يوجد فرق نوعي بين المادة التي يتكون منها جسم الإنسان والمادة التي تتكون منها كتلة من الصخر على سبيل المثال. فمن حيث التكوين المادي، تتألف كل من كتلة الصخر وأجسامنا البشرية في جوهرها من مجموعات من الجسيمات الدقيقة. يقترح العلم الحديث أن جميع مواد الكون هي مواد يعاد تدويرها على نحو لا نهائي. والأكثر من ذلك أن العديد من العلماء يذهبون إلى أن ذرات أجسامنا نفسها كانت ذات يوم في نجوم بعيدة في الزمن والمكان.
ومع ذلك، فمن الواضح أن الفئة التي ينتمي إليها الإنسان تختلف تماما عن الفئة التي تنتمي إليها كتلة صخرية. إننا نولد، وننمو، ثم نموت، وكذلك هي الحال في النباتات وجميع الحيوانات الأخرى. لكننا بخلاف النباتات، نتمتع أيضا بتجربة واعية. فنحن نشعر بالألم ونختبر المتعة. إننا كائنات واعية، وهو ما نسميه في اللغة التبتية «سيمدن».
خلال إحدى المناقشات العديدة التي أجريتها مع صديقي الراحل عالم الأعصاب فرانسيسكو فاريلا، تحدثنا عما يميز أشكال الحياة الواعية عن أشكال الحياة النباتية. وحسبما أتذكر، فقد اقترح معيارا لهذا التمييز: «قدرة كيان ما على تحريك نفسه من مكان إلى آخر»، أو كلمات أخرى بهذا المعنى. إذا كان الكائن الحي يستطيع نقل جسمه بأكمله من مكان إلى آخر للهروب من الخطر والبقاء على قيد الحياة، أو للحصول على الغذاء والتكاثر، فيمكن إذن اعتباره كائنا واعيا. أثار هذا التعريف اهتمامي لأنه يشير، حتى من وجهة نظر علمية، إلى أن ما يميز مثل هذا الكائن الحي مرتبط بالقدرة على الشعور بالمتعة والألم، وبالاستجابة لهذه المشاعر، حتى وإن كانت هذه الاستجابات غريزية في معظمها أو حتى بأكملها. فعلى مستوى أساسي للغاية، تعد قدرة المرء على الاستجابة لبيئته المحيطة من خلال التجربة الواعية هو ما يمكننا اعتباره «العقل»، بالمعنى الأوسع للكلمة.
Bog aan la aqoon