Waxa ay Indhuhu Arkaan
ما تراه العيون: قطع قصصية مصرية
Noocyada
ظنت لبيبة أن حسنا واقف على جلية الأمر، فقالت له: سنسافر بعد أسبوع يا حسن. - تسافرين! وإلى أين؟ - إلى أسيوط. - وهل تحقق ذلك؟
وكف عن البكاء لاندهاشه العظيم فوقف واجما لا يعرف ما يقول.
فقالت له لبيبة: ظننتك واقفا على الحقيقة. لقد نقل أبي إلى أسيوط وسأفارقك بالرغم مني، ولكن ما الذي كان يبكيك؟
فأجهش حسن بالبكاء دفعة واحدة، وقال بعد قليل: تلك كبرى المصائب. لقد أراد الحظ الأسود أن لا تنشر مقالتي، وأن تسافر حبيبتي فوداعا أيتها الآمال الكاذبة، ووداعا يا أحاديث المنى، فما أنت إلا وساوس الأطماع وأضغاث الأحلام.
واسترسل في البكاء واسترسلت معه حبيبته، وظل العاشقان ردحا من الوقت يتناجيان ويشكوان مصيبة أظلتهما على غير حسبان ولا انتظار.
وافترق العاشقان بعد أن تساقطت نفساهما غما، وتقطعت أحشاؤهما حزنا ولهفا.
ورجع حسن إلى مقعده وارتمى عليه وهو كاسف البال، وقد ائتنس بوحدته وانفراده ليطلق لدمعه العنان، وانكب على البكاء انكباب من انفطرت مريرته، وتساقطت دموعه على الأرض فكان يلتقطها كلبه الأمين سحاب، وكان سحاب في عرفه أوفي من الإنسان.
الفصل السادس
أظلم الليل وخيم السكون على أنحاء المدينة، وحسن ملقى على مقعده يبكي وينتحب، وقد لذ له البكاء، والبكاء أكبر تعزية للأنفس الحزينة، أتت أمه وطرقت الباب تسأله الخروج للعشاء، فأصلح من شأنه وفتح الباب، فقال لها وهو يتصنع الثبات في القول والعمل: لست بجوعان يا أماه هذه الليلة، وأود الخلوة لحفظ درس التاريخ؛ لأني أتوقع أن أكون غدا ضمن الممتحنين. - عبثا تحاول يا ولدي إخفاء ما في نفسك؛ لأن شعور الأم يدلها على خفايا قلب ولدها. إنك بلا شك حزين، وتشهد بقايا دمعك بذلك، فما الذي أحزنك اليوم؟ أتشاجرت مع أحد أقرانك، أم خاصمك أستاذك؟ تكلم يا ولدي وبح لي بالحقيقة حتى أشاطرك ما في نفسك من الأشجان. - أنت واهمة يا أماه ...
وأتم جملته والدموع تخنقه، وارتمى على صدر أمه ليسكب في أحضانها دموعه الحارة، وما أحسن صدر الأم على فؤاد الولد الحزين؛ ففي هذا الصدر ينشأ الرضيع ومنه يتغذى، وفي هذا الصدر يلعب الطفل هازئا بالحياة وآلامها، وفي هذا الصدر تستذرف جفون الشاب آلام الخيبة واليأس! صدر الأم هو الغرفة الدافئة الصغيرة التي بنتها يد الحب والحنان؛ ففيها يتلاقى السرور بالسعادة، وفيها يلتطم الأسى بالمصائب.
Bog aan la aqoon