Waxa ay Indhuhu Arkaan
ما تراه العيون: قطع قصصية مصرية
Noocyada
وسكت خوفا من الكلام فابتسمت لبيبة ابتسامة تعبر عن هزيمتها، وسكتت ناظرة للفضاء.
لبث حسن هنيهة يفكر، وكل فتى حي يحلو له التفكير؛ إذ فيه التعزية الكبرى لخيبته، وقد حدا به فكره إلى مغادرة حبيبته، ولكنه لم يستصوب هذا الرأي؛ مخافة أن يسيء لمن يهوى فزادت حيرته، ولكنه اهتدى دفعة واحدة لرأي ظنه صائبا، وسرعان ما يهتدي الفتى الحي للآراء الجديدة، فقال لنفسه: سأشرح لها شئون الكتابة والكتاب لتقف عليها. فالتفت إليها فوجدها تبتسم كأنها تسأله الصفح والرضى، فقال لها بصوت متهدج: إنك بلا شك لا تعرفين ما يعانيه الكاتب عند كتابته مقالته. - أود أن أعرف ذلك.
وكان هذا الرضى مفتاح استرسال حسن في حديثه فقال: آه يا عزيزتي، لو كنت تعرفين ذلك؟! إن الكاتب إذا جلس أمام مكتبه وأمسك بالقلم في يده استرسل للتفكير أولا، فإذا ما اختمرت الفكرة في رأسه أراد أن يكسو معانيها ألفاظا أنيقة تلذ القارئ، فإذا وفق لذلك خطها قلمه على الورق الأبيض بالمداد الأسود، ويكون هذا شأنه في كل ما يكتب، ولا تظنين أن الأفكار تترى في رأس الكاتب تباعا، ولا أن الألفاظ دانية القطوف. وإذا أراد الكاتب أن يكون مبسوط العبارة، متناسب الفقر، بعيدا فيما يكتب عن شوائب اللبس؛ فإنه لعمري يحاول المستحيل، والدليل أنا لا نجد في مصر عددا كبيرا من الكتاب. - وإذا وفق الكاتب إلى كل ذلك؟ - إذا وفق، يدخل جنة الحياة تحمله إليها ملائكة البلاغة. - ما أحلى وقع هذا الكلام في أذني! أستحظى يا حسن بكل ذلك؟ - إذا أراد الله لي الخير. - سأسأله في كل لحظة أن ينيلك هذا المقام الرفيع. - أنت إذن تشاطرينني فرحي؟ إنك لا تعلمين كم أنا سعيد بذلك! ظننتك لا تهتمين بما تصبو إليه نفسي، بتلك الأمنية التي أصبح إذا نلتها أسعد إنسان في مصر، فإذا بك تسألين الله أن أحظى بها عاجلا، فشكرا لك، اللهم شكرا لك.
ورفع حسن يدية للسماء شاكرا، فابتسمت حبيبته وقالت له: ومتى تظهر مقالتك؟ - بعد ثلاثة أيام أو أربعة؛ لأنهم سيقدمون عليها مقالات كبار الكتاب، وإني أعدك أنك ستكونين أول من يسمع بظهورها. - يا لسعادة نفسي في ذلك اليوم!
ونظر المحبان للسماء فوجدا الظلام بدأ يضرب خيامه، فافترقا وهما يبتسمان. فلما أدار حسن وجهه لغرفته وجد نفسه فيها وحيدا، ولم يطق أن يستأثر بسعادته الكبرى، فلم يدر ما يفعل، فابتدأ بالقفز في غرفته، فإذا به يرى كلبه «سحاب» يقفز خلفه كأنه يشاطره هناءه وسعادته.
الفصل الرابع
أتى ناظر المدرسة الخديوية يمشي الهوينا إلى أن وصل إلى الدرج، فوقف عليه؛ ليحيي طلبته قبل انصرافهم. وكانت الطلبة قبل ظهور ناظرهم في هرج ومرج، فلما رأوه قادما إليهم لزموا السكون كأنهم كانوا متأهبين له.
حيا الطلبة رئيسهم وحياهم، وانصرفوا إلى الخارج والحرية نصب أعينهم، وليس شيء أحب إلى قلب الطالب من تلك الساعة الجميلة؛ ساعة انتهائه من درسه واستنشاقه عبير حريته.
مشى إبراهيم يسرى الهوينا إلى أن وصل إلى الباب الخارجي، وهناك قابل عبد العزيز واقفا يمسح حذاءه وهو يطالع جريدة اللواء، فابتدره بقوله: هل من أخبار جديدة؟ - لا أرى شيئا يستحق العناية. - وباب المقالات؟ - أرى فيه ردا لمن يكتب تحت لقب «عبد ربه» على مقالات أحمد نديم. - لقد صار أحمد نديم ذائع الصيت بين كبار الكتاب. - إنه يكتب منذ سنين عديدة. - ومن هذا الذي يكتب تحت اسم «عبد ربه»؟ - يقولون إنه موظف بإحدى النظارات، وآخرون يقولون إنه تلميذ ب «المدرسة السعيدية»، وآخرون يقولون إنه من كبار قضاتنا. - أصدق أنه قاض أو موظف، ولكني لا أظن أنه طالب. - ولم لا؟ - أيكتب الطلاب كلاما كهذا؟ - وهل تستكثر عليهم ذلك وأنت منهم؟ - إني ما زلت من الكتاب الحديثين.
وابتسم ابتسامة تدل على اعتقاده عكس ما يقول، ولا يستغرب القارئ ذلك من إبراهيم يسري بعد أن عرف كل إخوانه أنه ممن يعتقدون في أنفسهم الألوهية في فن الكتابة، وزد على ذلك أنه حسود يكره أن يرى تلميذا مثله يجاريه في مضمار القلم. أما عبد العزيز، فهو من النمامين الذين تدب عقاربهم بين القوم فتقطع بينهم حبال الود والإخاء، وممن يتبعون السيئة حتى يقضوا لبانتهم وينالوا غرضهم.
Bog aan la aqoon