Waxa ay Indhuhu Arkaan
ما تراه العيون: قطع قصصية مصرية
Noocyada
وابتسم حسن للبواب وأخرج من كيسه قرشا أعطاه له في يده، فشكره البواب ودعا له. وسار حسن في شارع درب الجماميز إلى أن وصل إلى قهوة «النادي المصري»، وجلس في الركن الذي اختارته نفسه منذ طرقت قدماه أرض هذا النادي المبارك، وطلب من الخادم القهوة كالعادة وورقة بيضاء وقلما وحبرا، وما لبث في مكانه هنيهة إلا وأتاه الخادم بما طلب وزاد عليه الجرائد الأربع، وأتم حسن مقالته في النادي، وفيه انتهى من تبييضها أيضا، وجلس يقرؤها للمرة الأخيرة، واستوقفه عنوانها ثلاث دقائق، وكيف لا يستوقفه هذا العنوان هذه المدة الطويلة وهو عنوان غريب وجميل؛ «الأم الشفيقة القاتلة»! وما هي تلك الأم التي تشفق على أبنائها، ثم لا تلبث أن تزهق أرواحهم؟! هي بلا نزاع البورصة، وإنه حقا اسم وافق مسماه. قرأ حسن العنوان للمرة الخامسة والعشرين بعد المائة وهو يبتسم ويقول لنفسه: «ليت شعري! أينشر صاحب الجريدة مقالتي هذه؟ ولم لا ينشرها؟ وهل أنا أقل شأنا ممن يكتبون في جريدته؟! لقد شهد لي القاصي والداني في المدرسة بمتانة الأسلوب وعلو الأفكار. إنها بلا شك ستنشر ولا نزاع في ذلك.»
وقرأ مقالته مرتين، وأراد أن يقرأها للمرة الثالثة، ولكنه سئم من التكرار فطواها ووضعها في ظرف أتاه به الخادم وكتب على الظرف بخط واضح:
إدارة جريدة الحقائق بالقاهرة
حضرة الفاضل رئيس التحرير
مصر
وهم واقفا وهو يبتسم، ثم سار في شارع محمد علي موسعا الخطا، ومر على أربعة من صناديق البريد، ولكنه فضل أن يلقي خطابه في «دار البريد الكبرى» بالعتبة الخضراء؛ ليكون آمنا عليه، ولما وصل إلى تلك الدار ألقى في صندوقها الخطاب، ثم أرسل زفرة طويلة تعبر عما يخالج قلبه من ألم اليأس وحلاوة الأمل.
الفصل الثالث
- ماذا تفعلين يا لبيبة؟ - ألبس ردائي الجديد يا أماه. - وعلام تلبسينه وأنت لا تغادرين الدار اليوم؟ - وهل يسوءك ذلك؟ - كلا يابنتي.
لم تلبس لبيبة رداءها الجديد إلا ليراه حسن، ونعيمة هانم أمها لا تجهل ذلك ولكنها تتجاهله؛ لأن الأمهات يتغاضين عن هفوات بناتهن، ويسعين سرا في إصلاحها؛ ولذا سكتت نعيمة هانم ولم تناقش بعد ذلك فتاتها فيما فعلت.
وظلت لبيبة تروح وتجي أمام المرآة وهي تصلح من شأنها إلى أن حان ميعاد حبيبها، فذهبت إلى الغرفة التي تطل من شباكها؛ لتقرأه السلام، وتستقبل قبلاته الحارة يحملها إليها نسيم الغروب. •••
Bog aan la aqoon