حدثت في عصر هذه الدولة عدة حوادث، كان أهمها محاولة الرومان فتح بلاد العرب، وذلك أنهم حوالي سنة 24ق.م في عهد الإمبراطور أغسطس قيصر أرسلوا حملة خرجت من مصر، تحت قيادة حاكمها أيلوس جالوس
Aelius Gallus
كان قوامها عشرة آلاف مقاتل، وكان هدفها الاستيلاء على طرق النقل التي كان يحتكرها عرب الجنوب، واستغلال موارد اليمن لمصلحة روما، وقد ساعد الحملة وزير دولة الأنباط المسمى سيلوس، وبعد مضي عدة شهور من توغلهم إلى الجنوب، استولوا على نجران، وكادوا أن يصلوا إلى مأرب، ولكن يظهر أن دليل الحملة سيلوس أنبه ضميره على خيانة بني جلدته العرب، وأحس بأنه يرتكب إثما فظيعا في مساعدته للرومان، فتركهم يتيهون في الصحراء، التي لا يعرف مسالكها إلا العرب، واضطروا أن يتلمسوا طريقهم إلى ساحل البحر الأحمر، ومن ثم عبروا إلى الشاطئ المصري، وقد استغرقت عودتهم هذه ستين يوما، وكان يرافق هذه الحملة المؤرخ المشهور استرابون، الذي كان صديقا شخصيا لجالوس والذي صب جام غضبه على دليل الحملة سيلوس، وهكذا باء الجيش الروماني بفشل ذريع، ولم تفكر منذ ذلك الوقت روما ولا أية دولة غربية غيرها، في محاولة فتح بلاد العرب الصحراوية، وهذه الحملة تمت في عهد الملك إيلي شريح يحضب.
وفي عهد هذه الدولة أيضا، حدث أن هاجر جماعة من أهل اليمن إلى بلاد الحبشة، فأنشئوا مستعمرة هناك، ونجحوا في إقامة ثقافة لم يكن من المحتمل أن يستطيع الأحباش الوطنيون الوصول إليها، ولا نعلم علم اليقين الأهداف التي حملت هؤلاء اليمنيين والحضارمة على استعمار الحبشة، إنما يرجح أن التجارة التي أشربتها نفوس العرب كانت الباعث على هذا الاستعمار، ويعتبر هذا الغزو العربي لأفريقيا أسبق من الغزو الإسلامي لها فيما بعد.
وينسب إلى أحد ملوك هذه الأسرة، المسمى إيلي شريحا «ولعله ليشرح ابن يحضب الذي ذكره ياقوت في معجم البلدان» من ملوك القرن الأول المسيحي، أنه أسس قصر غمدان المشهور في صنعاء، الذي كان مكونا من عشرين طبقة، فكان بذلك أول ناطحة للسحاب روى التاريخ أخبارها، وقد شيد هذا القصر من الجرانيت والمرمر، وغطيت أعلى طبقة فيه بصفيحة واحدة من حجر المرمر، الذي بلغ من شفافيته أن يستطيع الإنسان النظر من خلاله والتطلع إلى السماء.
وكان الغرض من تأسيس هذا القصر وغيره من القصور، التي كانت شائعة في اليمن هو حماية الأمراء الحضر لأنفسهم من غارات البدو.
وكان نظام الحكم في هذا العصر الحميري الأول نظاما إقطاعيا في أساسه، ولكنه كان خليطا غريبا من النظام القبلي القديم ونظام الطبقات والأرستقراطية والملكية الإقطاعية.
قرب نهاية هذا العصر الحميري الأول ابتدأت قوة عرب الجنوب تنزل من عليائها، وقد كان ذلك نتيجة لتذبذبهم بين الطريقين البري والبحري في نقل المتاجر، يضاف إلى ذلك مزاحمة الرومان لهم في الطريق البحري مزاحمة خطيرة وخاصة بعد تنظيم المتاجرة البحرية خلال القرن الأول الميلادي، ولو أنهم ثبتوا على الطريق البري عبر الحجاز، الذي كان غاصا بالمحطات الحميرية، وكان آمنا لا يزاحمهم فيه آخرون، لكان خيرا لهم، وهذا الطريق البري بمحطاته المتعددة، هو الذي أشار إليه القرآن الكريم في سورة سبأ آية 18-19 في قوله تعالى:
وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين * فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور .
الدولة الحميرية الثانية
Bog aan la aqoon