ولا يتفق هؤلاء في أسماء الملوك ولا في تعاقبهم، وإنما يتفقون في أن أولهم حمير وأن آخرهم الحارث. أما حمزة الأصفهاني فإنه يقول: إن بين حمير والحارث 150 أبا، وطبيعي - وهذا الخلاف كما ترى فيما لا يكون عادة موضع خلاف بين المؤرخين - أن يكون أشد وأطغى في أعمال الملوك وأخبار الدولة.
وناحية أخرى تجعلنا نتردد في الاعتماد على ما كتبه معظم هؤلاء المؤرخين؛ تلك هي مدة الحكم التي نسبوها إلى بعض الملوك، ومن أمثلة ذلك ما ذكره حمزة الأصفهاني من أن أبرهة ذا المنار من ملوك التبابعة حكم 183 سنة، وأفريقش بن أبرهة حكم 164 سنة، والأقرن بن أبي مالك حكم 163 سنة، وأسعد أبا كرب حكم 120 سنة ... إلخ.
والظاهر أن هذا الخلط في التاريخ لم يلفت أنظار المحدثين فحسب؛ بل لفت أنظار بعض النابهين من المؤرخين القدامى كابن خلدون، فلقد ورد في مقدمته وهي الجزء الأول من تاريخه في صفحاتها الأولى، ما نصه: «ومن الأخبار الواهية للمؤرخين ما ينقلونه كافة في أخبار التبابعة ملوك اليمن وجزيرة العرب أنهم كانوا يغزون من قراهم باليمن إلى أفريقيا والبربر من بلاد المغرب، وأن أفريقش بن صيفي من أعاظم ملوكهم الأول - وكان لعهد موسى عليه السلام أو قبله - بقليل غزا أفريقيا وأثخن في البربر، وأنه الذي سماهم بهذا الاسم حين سمع رطانتهم، وقال: ما هذه البربرة؟ وذكر المسعودي أن أسعد كرب ملك الموصل وأذربيجان لقي الترك فهزمهم وأثخن، ثم غزاهم ثانية وثالثة كذلك، وأنه بعد ذلك غزا ثلاثة من بنيه بلاد فارس إلى بلاد الصغد من بلاد أمم الترك وراء النهر وإلى بلاد الروم، فملك الأول البلاد إلى سمرقند، وقطع القارة إلى الصين، فوجد أخاه الثاني الذي غزا سمرقند قد سبقه إليها، فأثخنا في بلاد الصين ورجعا جميعا بالغنائم، وتركوا ببلاد الصين قبائل من حمير، فهم بها إلى هذا العهد، وبلغ الثالث إلى قسطنطينية فدرسها ودوخ بلاد الروم ورجع.» ثم يذهب ابن خلدون فيقول: «وهذه الأخبار كلها بعيدة عن الصحة عريقة في الوهم والغلط، وأشبه بأحاديث القصص الموضوعة؛ وذلك أن ملك التبابعة إنما كان بجزيرة العرب وقرارهم وكرسيهم بصنعاء اليمن، وجزيرة العرب يحيط بها البحر من ثلاث جهاتها، فبحر الهند من الجنوب وبحر فارس من الشرق وبحر السويس من الغرب كما تراه في مصور الجغرافيا، فلا يجد السالكون من اليمن إلى المغرب طريقا من غير السويس، والمسلك هناك ما بين بحر السويس والبحر الشامي، ويبعد أن يمر بهذا المسلك ملك عظيم في عساكر موفورة من غير أن تصير من أعماله، هذا ممتنع في العادة، ولم ينقل قط أن التبابعة حاربوا أحدا من هؤلاء الأمم ولا ملكوا شيئا من تلك الأعمال، وأيضا فالشقة من البحر إلى المغرب بعيدة والأزودة والعلوفة للعساكر كبيرة، أما غزوهم بلاد الشرق وأرض الترك وإن كانت طريقه أوسع من مسالك السويس إلا أن الشقة هنا أبعد وأمم فارس والروم معترضون فيها دون الترك، ولم ينقل قط أن التبابعة ملكوا بلاد فارس ولا بلاد الروم وإن كانوا يحاربون بلاد فارس على حدود بلاد العراق، فالأخبار بذلك واهية مدخولة، وهي لم تدخل في وجه صحيح.» ا.ه.
هذا هو رأي واحد من نابهي المؤرخين العرب فيما كتبه زملاؤه المؤرخون في تاريخ العرب، ولكن يجب أن لا يحملنا هذا على تصديق كل ما كتبه هو نفسه عن تاريخ اليمن.
والسبب في ذلك واضح، وهو أن ابن خلدون نفسه لم يعتمد في كتابته على نقوش أو آثار، إنما اعتمد على الرواية لغيره من المؤرخين، ولم يكن له فضل عليهم إلا غربلة الروايات وتمييز الغث من السمين في نظره، وليس أدل على ذلك من أن أسماء الملوك التي حصل عليها العلماء المحدثون لا يوجد لها ما يقابلها، بل هي تختلف اختلافا تاما عما أورده مؤرخو العرب، كما بين ذلك العلامة نيكلسون في كتابه تاريخ الأدب العربي الذي سنبين رأيه في الفقرة الثانية. (2) رأي الأستاذ نيكلسون
ورد في كتاب الأستاذ نيكلسون السالف الذكر ما خلاصته أن أسماء ملوك حمير وتعاقبهم لا يمكن أن يمت إلى الحقيقة بسبب، وأنه إن كانت هناك شخصيات تاريخية تحمل هذه الأسماء التي ذكرها مؤرخو العرب فلا يمكن أن ترجع إلى أزمنة متأخرة قبل ظهور الإسلام، ولعلها أسماء بعض الأمراء قليلي الأهمية الذين أضفت عليهم الأقاصيص ثيابا من البطولة، وعلى من يشك في صحة هذا أن يقارن تلك الأسماء التي أوردها المؤرخون بما حصل عليه المستكشفون من النقوش، ولقد جمع الأستاذ مولر من بينها قائمة تتضمن أسماء ثلاثة وثلاثين من ملوك سبأ.
ويشعر تكرار بعض الأسماء بأن البلاد كانت تحكمها أسرات مالكة، وكان للملوك ألقاب تضاف إلى أسمائهم، ومن بين هذه الأسماء ذمر علي - ويثغمر بين - وكرب إيل وتار يهنعم - وسمعهلي ينوف.
وعلاوة على ذلك فإن ملوك اليمن كانت لهم ألقاب مختلفة تشير إلى عدة فترات من التاريخ السبئي وهي: (1)
أمير سبأ «مكارب سبأ» ومكارب هذه تشير إلى الجمع بين الإمارة والكهانة. (2)
وملك سبأ. (3)
Bog aan la aqoon