هل هي القيم القديمة؟
إن أسوأ ما أخشاه أن ننتصر على المستعمرين ونطردهم، وأن ننتصر على المستغلين ونخضعهم، ثم نعجز عن أن نهزم القرون الوسطى في حياتنا، ونعود إلى دعوة: «عودوا إلى القدماء».
هل نعيد مأساة ابساماتيك؟ هل يعني الرقي والتقدم أن ندفن موتانا في سقارة؟
القرون الوسطى
تطلق عبارة «القرون الوسطى» على فترة من الزمن تبلغ نحو ألف سنة، تبتدئ من سقوط الدولة الرومانية الغربية سنة 476 على يد الجرمان، وتنتهي بسقوط الدولة الرومانية الشرقية سنة 1453 على يد الأتراك، وبدهي أن هذا التحديد بالسنوات هو اصطلاح تاريخي فقط، وإلا فإن الواقع يثبت أن بذور القرون الوسطى ظهرت في الدولة الرومانية منذ القرن الأول للمسيح، كما أن هذه القرون لم تنته بسقوط القسطنطينية.
ولكي ندرك مدى الرقي الذي يتمثل في النهضة أو النهضات الأوروبية يجب أن نعرف عمق الانحطاط الذي سبق هذا الرقي.
أي: يجب أن نعرف الهاوية التى هوى إليها الفكر البشري في القرون الوسطى.
والقرون الوسطى غير «القرون المظلمة» وإن كان كثيرون يطابقون بينهما، والمعول عليه الآن أن تطلق صفة الظلام على السنين الخمسمائة الأولى، أي: من سنة 476 إلى سنة 976؛ لأن هذه الفترة كانت في أوروبا فترة الركود الفكري، أما بعد ذلك فإننا نجد بوادر النهضة وبواكيرها.
وقد قلنا: إن بذور القرون الوسطى ترجع إلى الدولة الرومانية، وهذه الدولة التي بقيت متماسكة خمسة قرون متوالية كانت قوتها تنحصر في هذا التماسك، ولكن منذ القرن الأول بدأت عوامل التفكك تعمل فيها حتى إذا كان القرن الثالث والرابع استفاضت الفوضى، وأغار الجرمان على جسم الدولة.
ولكن يجب هنا أن يذكر القارئ أن الغارة لم تكن أجنبية؛ لأن هؤلاء الجرمان كانوا منذ القرن الأول للميلاد يتسربون إلى الدولة ويسرون في عروقها، تؤلف منهم الجيوش الجرمانية المحضة لرد غارة الجرمان، ويعين منهم القواد، حتى إذا كانت الغارة الأخيرة لم يكن الجيش المغير أجنبيا؛ لأنه كان يجد أينما حل أناسا من الشعب الذي ينتمي هو إليه.
Bog aan la aqoon