فعلى الأول يكون الْجَواب بقوله ﴿قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس وَالْحج﴾ مطابقا مُبينًا للحكمة الظَّاهِرَة اللائقة بشأن التَّبْلِيغ الْعَام المذكرة لنعمة الله تَعَالَى ومزيد رأفته وَهِي أَن تكون معالم للنَّاس يوقتون بهَا أُمُورهم الدِّينِيَّة ويعلمون أَوْقَات زُرُوعهمْ ومتاجرهم ومعالم للعبادات يعرف بهَا أَوْقَاتهَا كالصيام والإفطار وخصوصا الْحَج فَإِن الْوَقْت مرَاعِي فِيهِ أَدَاء وَقَضَاء
وَلَو كَانَ الْهلَال مدورا كَالشَّمْسِ أَو ملازما حَالَة وَاحِدَة لم يكد يَتَيَسَّر التَّوْقِيت بِهِ وَلم يذكر ﷺ الْحِكْمَة الْبَاطِنَة لذَلِك مثل كَون اخْتِلَاف تشكلاته سَببا عاديا أَو جعليا لاخْتِلَاف أَحْوَال المواليد العنصرية كَمَا بَين فِي مَحَله لِأَنَّهُ مِمَّا لم يطلع عَلَيْهِ كل أحد
وعَلى الثَّانِي يكون من الأسلوب الْحَكِيم وَيُسمى القَوْل بِالْمُوجبِ وَهُوَ تلقي السَّائِل بِغَيْر مَا يتطلب بتنزيل سُؤَاله منزلَة غَيره تَنْبِيها على أَنه الأولى بِحَالهِ وَاخْتَارَهُ السكاكي وَجَمَاعَة. فَيكون فِي هَذَا الْجَواب إِشَارَة إِلَى أَن الأولى على تَقْدِير وُقُوع السُّؤَال أَن يسْأَلُوا عَن الْحِكْمَة لَا عَن السَّبَب لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّق بِهِ صَلَاح معاشهم ومعادهم وَالنَّبِيّ ﷺ إِنَّمَا بعث لبَيَان ذَلِك
وَبَعض عُلَمَاء الْهَيْئَة اليونانية قَالَ لَيْسُوا مِمَّن يطلع على دقائق علم الْهَيْئَة الْمَوْقُوفَة على الأرصاد والأدلة الفلسفية
وَهَذَا وهم لِأَن ذَلِك على فرض تَسْلِيمه فِي حق أُولَئِكَ الْمَشَّائِينَ فِي ركاب النُّبُوَّة والمرتاضين فِي رواق الفتوة والفائزين بإشراق الْأَنْوَار والمطلعين بأرصاد قُلُوبهم على دقائق الْأَسْرَار وَإِن لم يكن نقصا من قدرهم
1 / 28