184

ويقول طه حسين: «أستغفر الله! يظهر أن أهل تونس بطبيعتهم مبالغون!» •••

وفي يونيه 1958 يدعو المغرب طه حسين لزيارته فيستقبله الملك محمد الخامس أعظم استقبال، ويمنحه أكبر الأوسمة، فهو شديد التقدير لعلم طه حسين وأدبه، وهو لم ينس نهوض طه حسين بالدفاع عنه ضد الفرنسيين عندما نفوه عن عرشه وعن بلاده، ويحضر الأمير الحسن (الملك الحسن الثاني الآن) المحاضرة التي يلقيها طه حسين في كلية العلوم بالرباط عن مكانة اللغة العربية والأدب العربي بين اللغات والآداب العالمية، وفيها يبين الدكتور طه حسين كيف انتشرت العربية بقوتها الخاصة وبقوة الإسلام وقوة القرآن الكريم، فاستطاعت أن تكون لغة عالمية بأوسع معاني هذه الكلمة، ويبين أنها لم تكن لغة حديث فحسب ولكنها كانت لغة حديث ولغة سياسة ولغة إدارة ولغة الدين، وكانت في الوقت نفسه لغة التفكير والإنتاج الأدبي والعصري، ويقول إنها في أقل من قرنين أساغت كل الثقافات التي كانت معروفة في العصور القديمة، وتمثلتها.

ثم يقول: «وبعد ذلك جاءت المعجزة الكبرى، وهي أن هذه اللغة التي انتشرت بهذه الطريقة المدهشة أنشأت أمة جديدة قوامها اللغة العربية والدين الإسلامي عند الكثرة، والمسيحية والإسرائيلية عند القلة، وكل هذه الأمم امتزجت والتأمت وأصبحت أمة واحدة هي الأمة الإسلامية العربية وجعلت عناصرها المختلفة تتعاون على إنشاء هذه الحضارة الإسلامية العليا، التي لا أعرف أن حضارة أخرى سبقتها في عالميتها وفي انتشارها.» •••

وحيثما قابل طه حسين شباب المغرب ومثقفيه كان يسمع منهم طويلا ويتحدث إليهم، كانوا يستصعبون النحو العربي فيقول لهم إن من اللازم ومن الممكن تيسيره، ويشكلون الكتابة العربية التي لا بد أن يفهمها الإنسان أولا ليقرأها صحيحة بعد ذلك، فيقول طه حسين: «لقد أعلنت مرارا وأعلن الآن أنه لا بد من إصلاح الكتابة العربية مع رفضي التام للكتابة بالحروف اللاتينية، ويجب على هذا الجيل من العرب أن يبحث عن أحسن الوسائل لإتمام هذا الإصلاح المطلوب والضروري.»

ويقول طه حسين ردا على سؤال عن قدرة اللغة العربية على التعبير عن مصطلحات السياسة والحضارة الحديثة: «إن مجمع اللغة العربية بالقاهرة يسلك في هذا الشأن مسلكا حميدا، وهو البحث عن الاصطلاح العربي القديم إذا وجد واستعماله إذا كان ملائما أشد الملاءمة وأدقها للمعنى العلمي الذي يؤديه المصطلح الأجنبي، وإلا عرب المصطلح الأجنبي نفسه. وليس في التعريب أي حرج، فإن كل الدول الأوروبية مثلا تستعمل اللفظين اليونانيين أكسيجين وهيدروجين، ولا داعي لأن نحاول ترجمة هذين اللفظين للغة العربية.» •••

ويزور طه حسين مدن الرباط ومكناس والدار البيضاء وفاس (حيث يستقبله الزعيم علال الفاسي) وتطوان، ويصعد بالسيارة في جبال الأطلس إلى مراكش، ويتوقف عند قرية في الجبل أمام محل صغير وقد استرعى نظر زوجته رداء مغربي أبيض جميل توقفت لشرائه.

وأمام المحل الصغير في القرية المغربية يتجمع بعض أهل القرية يتحدثون فيما بينهم عن الزائر الذين عرفوا أنه طه حسين، ويتقدم رجل عجوز من سكرتير طه حسين ويقول له: «إن الأستاذ لا يعرفني طبعا، أنا رجل من عجائز هذه القرية، ولكني أرسلت من هنا برقية إلى طه حسين في القاهرة منذ سنين.»

ويلتفت طه حسين للعجوز ويسأله: «أرجو أن تذكرني ... ماذا كان موضوع البرقية؟»

العجوز :

كنت أنت قد خطبت في الجامعة الأمريكية في القاهرة فقلت إنكم في مصر تتحدثون عن المشرق العربي كثيرا ولكنكم يجب أن تذكروا أيضا المغرب العربي، وأن تهتموا كثيرا ببلاد المغربي العربي. وعندما قرأت تلخيص حديثك في بعض الصحف التي وصلت إلينا هنا أرسلت لك برقية أشكرك باسم المغرب العربي.

Bog aan la aqoon