المصريون القدماء كانوا يشترون ملوكهم بالمال، يجلبونهم من بلاد الشركس والقوقاز رقيقا أطفالا يخطفهم النخاسون.
المصريون تقطع الصلة بينهم وبين العالم الخارجي بغزو الترك العثمانيين، تستيقظ أوروبا وهم نيام، يستيقظون في القرن الماضي يقظة مقيدة بسلطان الترك العثمانيين الذي يأتيهم من الخارج. وبهذه الولاية المتوارثة التي استقرت فيهم، ثم بهذا الملك المتوارث الذي فرضته عليهم حماية الإنجليز. وهاهم يتخلصون من هذا كله، وسيرفعون إلى رياسة الدولة المصرية رجلا لا يمتاز عن سائر المصريين بمولد، ولا بثروة، ولا بقوة أجنبية تسنده ...»
وتسأل سوزان: «أين أنت؟ إنني أقرأ وأتحدث إليك وأنت غائب ... غائب عني وعن كل ما حولك.»
ويرد طه حسين: «كنت أفكر في مصر وأعجب ... احتملت مصر ما احتملت وقاست من الخطوب ضروبا وألوانا، دون أن تفقد شخصيتها ودون أن تنسى كرامتها، ودون أن تفتر لحظة واحدة عن الجهاد في سبيل تلك الشخصية وهذه الكرامة، ودون أن تقصر لحظة عن المشاركة في ترقية الحضارة الإنسانية؛ فاستيقنت أثناء هذا التفكير أن مصر هي المثل الرائع للوطن الأصيل الذي لم يخلق ليفنى في غيره، والذي لم يخلق ليذعن لغيره، وإنما خلق ليفرض نفسه على الدهور، ولتعيش أمته خالدة كما أنه هو خالد، كريمة كما أنه هو كريم، عزيزة كما أنه هو عزيز، قاهرة للأحداث والخطوب كما أنه قاهر للأحداث والخطوب، قادرة على أن تنفذ من المشكلات مهما تكن، وتقهر المصاعب مهما تعظم!»
وتسأل سوزان: «فكرت أنت في هذا كله، وأنا أقرأ لك خبرا في صحيفة، على عمود، في عدة سطور؟! أبحرت بعيدا عني وأنا أحاول أن أقرأ لك الأخبار؟ أنت ترى أنني لا أستحق أن تستمع إلي ...»
ويأخذ طه حسين يديها في يديه ويقول: «لا، كنت أستمع إليك، كان صوتك العذب يساعدني - كعهده دائما - على التفكير!»
وتقول سوزان: «المهم، أتركك الآن، سأعود لنسمع معا نشرة الأخبار التالية، ثم يجب أن نغادر هذا الفندق سريعا لنذهب إلى فلورنسا، ومبارك عليك جمهورية مصر!» •••
وفي فلورنسا ينعقد اجتماع مؤتمر الحضارة والسلام، وبين المدعوين قناصل الدول، ومنهم قنصل «جمهورية» مصر العام مصطفى السعدني، وبين الأعضاء طه حسين يمثل مصر في المؤتمر وإلى يمينه زوجته.
ويقول رئيس المؤتمر وهو على المنصة: «والآن يسرني أن أدعو الكاتب المصري الدكتور طه حسين للكلام.»
ويقول طه حسين لزوجته: «لقد كنت فهمت أنني أشارك في المؤتمر مستمعا، لم أعد شيئا لهذا المؤتمر، طوال هذا الأسبوع الذي قضيناه هنا لم أقرأ شيئا غير القرآن.»
Bog aan la aqoon