Luther Muqaddima Qasira
مارتن لوثر: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
1
في يونيو عام 1525، عندما تزوج مارتن لوثر من كاثارينا فون بورا (1499-1552)، كانا قد تأخرا في الزواج، فأقرب الزملاء إلى لوثر كانوا قد تزوجوا بالفعل عدا سبالاتين الذي تزوج بعده بستة أشهر، وآمسدورف الذي ظل عزبا. وكانت كاثارينا قد بلغت فيتنبرج قبلها بعامين، وكانت حكايتها معروفة للجميع.
ولدت كاثارينا في عزبة والدها جنوب مدينة لايبزيج، ورغم أن والديها انحدرا من أصول نبيلة، إلا أنهما لم يكونا من الأثرياء. والتحقت كاثارينيا بعد وفاة والدتها بمدرسة بنديكتية، وبعدها بخمسة أعوام، عندما كانت في العاشرة من عمرها، التحقت بدير مارينثرون السسترسي بالقرب من مدينة جريما في الأراضي الساكسونية الخاضعة لحكم الدوق جورج، الذي وقف في وجه حركة الإصلاح الديني. وبعدما اشتهرت أفكار لوثر في مارينثرون أرادت الكثير من الراهبات ترك المناخ المعادي للوثرية المحيط بهن، ودبرت مغادرتهن بالاتفاق مع التاجر ليونارد كوب - الذي اعتاد نقل بعض الأغراض للدير بصفة منتظمة - لتسهيل فرارهن، وفرت اثنتا عشرة راهبة ليلة أحد عيد الفصح عام 1523 من دير مارينثرون، في عربة كوب إلى تورجاو في ولاية ساكسونيا الانتخابية، ويعتقد أن ثلاثا منهن عدن إلى أسرهن، أما التسع الأخريات فقد تمت مرافقتهن إلى فيتنبرج في مراسم احتفالية، حيث يعتقد أن كاثارينا أقامت في منزل لوكاس وباربارا كراناش الكبير. ولم يمض وقت طويل حتى وقعت في غرام جيروم باومجارتنر، وهو طالب سابق في فيتنبرج، التقته عندما زار البلدة مجددا عام 1523، لكن بعد أن عاد باومجارتنر إلى أسرته المرموقة في نورمبرج أنهى علاقته مع كاثارينا، وأخيرا تزوج من امرأة أصغر سنا من أسرة أفضل، فحاول لوثر وآمسدورف أن يجمعا بين كاثارينا وكاسبار جلاتس، وهو رجل أكبر سنا كان راعيا لأبرشية أورلاموند، إلا أن كاثارينا رفضت الزواج منه وأخبرت آمسدورف أنها تؤثر الزواج منه أو من لوثر إن كان هذا هو خيارها الوحيد.
فكان أن تزوجت من لوثر. لا يدري أحد الكيفية التي تم التوصل بها إلى هذا الاتفاق بالضبط، لكن في الفترة ما بين تلاوة لوثر وكاثارينا لنذور زواجهما لأحدهما الآخر، وحفل الزواج الذي جاء بعد أسبوعين من تلاوة النذور؛ كشف لوثر لآمسدورف عن الدوافع التي اضطرته إلى اتخاذ هذه الخطوة قائلا له:
الشائعات بأنني تزوجت من كاثارينا فجأة لأضع حدا للقيل والقال اللامتناهي الذي انتشر حولي؛ هي شائعات صحيحة بالفعل ... كما أنني لم أرد أن أفوت هذه الفرصة الجديدة لألبي رغبة أبي في أن أصنع لنفسي ذرية، وأردت في الوقت نفسه أن أؤكد على ما وعظت به بالممارسة؛ إذ أجد الكثيرين ما يزالون يتخوفون من هذه الخطوة رغم هذا النور العظيم الذي يأتينا من الكتاب المقدس. لقد شاء الرب هذه الزيجة وأتمها. لست مغرما أو متيما بزوجتي، ولكنني أعتز بها.
كان عامان قد مضيا على معرفة لوثر وكاثارينا أحدهما بالآخر عندما أقيم زفافهما في 13 يونيو 1525، لكن مراسم الزواج البسيطة ، التي عقدت في المجمع الأوغسطيني الذي أقام فيه لوثر، فاجأت أغلب مواطني فيتنبرج، فأشرف بوجنهاجن راعي أبرشية كنيسة البلدة على مراسم الزواج، وشهدها أربعة شهود آخرين هم: يوستوس يوناس (الذي روى فيما بعد أنه لم يستطع أن يمنع نفسه من البكاء)، ويوهان آبل (أستاذ القانون الكنسي الذي تزوج من راهبة)، ولوكاس، وباربارا كراناش. وشاهد الأربعة أيضا طقس الزينة: الذي تمدد فيه لوثر وكاثارينا على فراش الزوجية معا لوقت قصير. ويرجح أن خاتم زفاف كاثارينا كان هو الخاتم الذهبي الذي أهداه لها ملك الدنمارك الملك كريستيان الثاني، عندما زار منزل آل كراناش عام 1523. وقد أقيمت مأدبة الزفاف التقليدية بعد أسبوعين؛ إذ دعا لوثر والديه وأصدقاءه وآخرين من خارج البلدة، بمن فيهم لينك وليونارد كوب اللذين ساعدا الراهبات الاثنتي عشرة في الهروب، وأهدت جامعة فيتنبرج العروسين كأس الحب الفضي الذي يشرب منه العروسان يوم زواجهما، ووهبهما ناخب ساكسونيا جون فريدريك 100 جيلدر وسمح لهما بالإقامة في الدير.
غير أن تصريح لوثر لآمسدورف بأنه ليس متيما بكاثارينا ولكنه يعزها ويقدرها، لا يعني أنه تزوج بلا حب ليبرهن على وجهة نظره؛ فقد أعرب كثيرا عن حبه وتقديره لها، ودعته أسباب قوية للوثوق بها، فهي لم تنجب له ستة أطفال وحسب، بل كانت ربة منزل كبير مجدة، وهو منزل احتضن الكثير من الأقارب، وتردد عليه الكثير من الضيوف والطلاب، وشاركت أحيانا في المناقشات التي سجلت في كتاب «أحاديث المائدة»، ودعمت بحماس جهود حركة الإصلاح، كما كانت سيدة أعمال حصيفة أشرفت على العديد من الأملاك، من بينها منزل بمدينة زولسدورف بالقرب من مسقط رأسها جنوب لايبزيج، اشترته من أخيها عام 1540، وكان وجهتها المفضلة، حيث كانت تمضي فيه أسابيع في هذه الآونة. من هنا بعث لها لوثر - بعد شرائه - خطابا يمازحها فيه قائلا: «إلى سيدة زولسدورف الثرية، السيدة حاملة الدكتوراه؛ كاثرين لوثر المقيمة جسدا في فيتنبرج وروحا في زولسدورف، إلى معشوقتي.» وكهدية لكاثارينا دبر لوثر تزيين مدخل منزلهما - الذي ما يزال يعرف إلى اليوم باسم البوابة الكاثرينية - بنقوش أكثر تعقيدا كهدية لها عام 1540.
كانت كاثارينا قد أتمت لتوها السابعة والأربعين من العمر، عندما توفي مارتن بمنأى عن بلدته عام 1546، وقد وصفت لزوجة أخيها كريستينا فون بورا مدى حزنها العميق على وفاته قائلة: «إن كانت لي إمارة أو إمبراطورية لما شعرت بكل هذا الحزن لفقدها، كما شعرت بالحزن يوم أن أخذ مني الله - وليس مني وحسب، بل من العالم أجمع - هذا الرجل العزيز النبيل.» عاشت كاثارينا بعد وفاة لوثر قرابة سبعة أعوام، غير أنها كانت أعواما قاسية، جابت فيها أرجاء البلاد مع أطفالها الأيتام منفية إبان الحرب التي أعقبت وفاة لوثر في غمرة مخاطر وظروف قاسية، ففرت بأطفالها إبان الحرب الشمالكالدية التي هزم فيها البروتستانت (والتي استمرت من عام 1546 إلى عام 1547) من فيتنبرج مرتين؛ كانت المرة الثانية إلى مدينة براونشفايج مع ميلانشتون وزميل آخر للوثر. ولم يستجب ملك الدنمارك لمناشداتها بمنفى دائم، لكنه وفر لها ولأطفالها دخلا سنويا بعد أن أعادت افتتاح دير فيتنبرج كنزل إقامة. فلما هدد الطاعون فيتنبرج عام 1552، فرت إلى تورجاو، إلا أنها أصيبت عندما انطلقت بها الجياد فجأة، ومكثت طريحة الفراش لثلاثة أشهر قبل أن توافيها المنية في ديسمبر عام 1552 وهي في الثالثة والخمسين من العمر، ودفنت في كنيسة تورجاو، حيث خلدت ذكراها بنحت شاهد قبر منتصب لها يصورها مرتدية ملابس شتوية وهي تحمل الإنجيل.
خلف لوثر وكاثارينا أربعة أبناء من الستة، أكبرهم هو هانز (1526-1575) والذي سمي تيمنا باسم جده، ودرس القانون في فيتنبرج وفي كونيجسبرج برعاية دوق بروسيا الدوق ألبرت، الذي كان من أوائل مؤيدي حركة الإصلاح. عاد هانز إلى فيتنبرج قبل عام فقط من وفاة والدته، وعمل فيما بعد في محاكم فايمر وبراندنبورج كقاض، وقد أرسل له لوثر خلال اجتماع أوجسبورج (عام 1530) خطابا، وكان وقتها قد قارب بلوغ الرابعة من العمر، يحثه فيه على الاجتهاد في الصلاة والدراسة، ويعده بأنه إن فعل هذا فسيسمح له بدخول جنة سحرية مليئة بمهور ذات لجم ذهبية وأسراج فضية ، وفاكهة لذيذة، وصافرات وطبول ذهبية، وأقواس فضية جميلة . أما إليزابيث ثانية أطفالهما فقد ولدت إبان انحسار الطاعون في فيتنبرج، لكنها توفيت بعد ثمانية أشهر.
قبل مرور عام على وفاة إليزابيث، أخبر لوثر آرمسدورف أن كاثارينا قد أتاها المخاض، وأنجبت بعد ثلاث ساعات دون صعوبات «ابنة تتمتع بصحة جيدة» هي ماجدالينا لوثر (عام 1529-1542)، التي طلب لوثر من آرمسدورف أن يكون الأب الروحي لها؛ لهذه «الصغيرة لتساعدها على اعتناق المسيحية المقدسة عبر طقس العماد السماوي النفيس». وأثناء اجتماع أوجسبورج عام 1530 تلقى لوثر من زوجته صورة لماجدالينا الصغيرة وهي لم تبلغ إلا عاما، وشكرها في المقابل بتزكية اقتراحات لفطام ماجدالينا تلقاها من أرجولا فون جرومباخ، وهي إحدى النساء القلائل اللائي ما تزال كتاباتهن لتأييد حركة الإصلاح الديني قائمة، لكن في عام 1542 توفيت ماجدالينا بين ذراعي والدها بعد صراع طويل مع المرض. وتشهد خطابات لوثر وكتاب «أحاديث المائدة» على أن فترة وفاتها كانت فترة عصيبة على والديها وأخيها الأكبر هانز، الذي استدعي إلى منزل الأسرة ليكون مع أخته في لحظاتها الأخيرة، فيقول لوثر مغالبا مشاعره وهو ينقل ليوناس نبأ وفاتها:
Bog aan la aqoon