Xujada Cishtar
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Noocyada
نجد السيدة العذراء في وضعية الجلوس تحمل في يدها اليسرى كرة الكون، وتضم بيدها اليمنى الوليد الإلهي الواقف على ركبتها. إلا أن سر التمثال يكمن في أنه مجوف من الداخل وله مصراعان قابلان للفتح، فللوهلة الأولى يبدو التمثال عملا عاديا من النوع المألوف، فإذا فتح المصراعان كشف التمثال عن معانيه السرانية، إذ نجد في داخله الإله الأب ممسكا بيديه الاثنتين الصليب، والإله الابن معلقا عليه، وكلاهما متضمنان في كون العذراء الرحيب. أما العمل الثاني فلوحة زيتية من روائع الفنان الإسباني فلاسكيز محفوظة في متحف مدريد تحت اسم تتويج السيدة. في هذه اللوحة نجد الثالوث المقدس مؤلفا من الأب والابن والعذراء التي تتوسط الاثنين، شاغلة مركز الصورة وأكبر مساحة فيها، ويمسك الأب والابن بتاج يضعانه على رأس السيدة.
هذا الدور الكبير للسيدة العذراء قد جعلها شريكة كاملة للإله الابن في سر الفداء والخلاص، فبدونها لم يكن ممكنا لملحمة الخلاص أن تتم وتستكمل شروطها. نقرأ في أناشيد الكنيسة الشرقية وصلواتها: «بما أنك كنز قيامتنا يا جديدة بكل تسبيح، انشلي الواثقين بك من قعر جب الزلات، فإنك أنت خلصت الحاملين تبعة الخطيئة بولادتك الخلاص. يا من هي قبل الولادة عذراء وبعد الولادة عذراء» ... «السلام عليك يا فرحنا وسترنا وخلاص نفوسنا. إن أجناس الأرضيين كافة يلتجئون إلى سر معونتك» ... «سهلي لي مناهج الخلاص يا والدة الإله؛ لأني دنست نفسي بخطايا سمجة، وأفنيت عمري كله بالتواني» ... «لما حياك جبرائيل أيتها البتول، تجسد مع صوته سيد الكل فيك، أيها التابوت المقدس، وظهرت أرحب من السماوات إذ حملت خالقك. فالمجد للذي سكن فيك، المجد للذي أتى منك، المجد للذي حررنا بولادته منك.»
73
وفي المجمع الفاتيكاني الثاني الذي أعلن الدستور العقائدي للكنيسة، ثم تناول شخصية السيدة مريم ودورها في تدبير الخلاص، وذلك في الفصل الثامن من الدستور الفقرة (60) حيث نقرأ: «عن العذراء الطوباوية التي أعدت منذ الأزل في تصميم تجسد الكلمة كي تكون أم الله، غدت إلى الأرض بتدبير العناية الإلهية أما حبيبة للمخلص الإلهي وشريكة سخية في عمله بصفة فريدة أبدا، وأما للرب وديعة. بالحبل بالمسيح وبوضعها إياه في العالم وبتغذيتها له، وبتقدمته في الهيكل إلى أبيه، وتألمها مع ابنها الذي مات على الصليب، ساهمت في عمل المخلص مساهمة لا مثيل لها.»
74
وفي الواقع، فإن مثل هذه الكلمات التي تصدر عن أعلى سلطة رسمية كاثوليكية، لا يمكن إلا أن تكون ذات صيغة توفيقية بعيدة عن التطرف، وذلك حفاظا على الروابط مع بعض الكنائس التي ليس لعبادة العذراء فيها المكانة نفسها، وتدعيما لسبل الوحدة المسيحية، ولعل في قول الكردينال الفرينك خلال مناقشات المجمع الفاتيكاني الثاني الآنف الذكر، ما يشير إلى الاختلاف بين الصيغة الرسمية للعقيدة والممارسة الشائعة؛ إذ قال: «إن التعبد للعذراء مريم شيء، والتعبير عن إيمان الكنيسة وتعاليمها شيء آخر.»
وبعد، لقد كانت السيدة مريم العذراء آخر تجل للألوهة المؤنثة في ضمير الإنسان، ويبدو أنها باقية معه على مر الأزمان.
رؤيا
ها هو الممر الضيق الوعر الذي يصعد بنا عبر الأحراش المتشابكة يوصلنا إلى القمة ... خطوات ونزيح آخر الأغصان التي تحجب بحيرة عشتار الصافية. هنا مسخت الإلهة الراعي الشاب أكيتون أيلا جزاء اقتحامه عزلتها ورؤيتها عارية تستحم، فطاردته كلابه ومزقته إربا.
أضع قدمي الأولى على العشب الأخضر وأسير بحذر؛ لكني لا أسمع وقعا لخطواتي، كل ما حولي ساكن سكون الوجود لحظة الخلق قبل أن تنبث فيه روح الخالق. الشمس والقمر ثابتان جنبا إلى جنب عند خط الأفق، والنجوم منتثرة بلا بريق. أمشي إلى حافة البحيرة وأستلقي. الصمت يدخل من مسام جلدي كدخول الهواء في إناء مفرغ، حتى امتلأت بالعدم. لا أدري هل مرت دقائق أم سنون وعيناي مفتوحتان على اتساعهما تحدقان في أعماق ليل سرمدي. ثم تحرك الزمن وأخذت أميز الأشياء ببطء. النجوم عادت إلى تألقها، وظلال الأشجار تتطاول وتتلاشى مع غروب الشمس، والقمر يصعد بدرا إلى خط السمت. نسمات تهب حاملة معها كل عبق المكان. انكفأت على وجهي أشم رائحة التراب والعشب، وصوت يتصاعد خافتا من أعماقي؛ ولكني أسمعه بوضوح، صوت المتصوف «النفري» يقول على لسان الحق: «أمر كان، وأمر يكون، وأمر لا يكون. فالأمر الذي كان: محبتي لك، وأمر يكون: تراني. وأمر لا يكون: لا تعرفني معرفة أبدا» - النفري: المواقف والمخاطبات.
Bog aan la aqoon