249

Xujada Cishtar

لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة

Noocyada

68

ولا يشذ إنجيل يوحنا عن الأناجيل الأخرى في طمس ملامح السيدة مريم، وذلك رغم أن يوحنا قد تعهد مريم بعد موت ابنها وضمها إلى بيته؛ تنفيذا لوصية يسوع وهو على الصليب: «فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفا، قال لأمه: يا امرأة، هو ذا ابنك. ثم قال للتلميذ: هو ذا أمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته.»

69

إلا أن تحولا جذريا أخذ يطرأ على صورة السيدة مريم فيما بين القرن الأول والقرن الرابع للميلاد، بتأثير العاطفة الشعبية التي تركزت لأجيال طويلة حول الأم الكبرى، وبتأثير بعض القديسين الأوائل ممن أسسوا بكتاباتهم المبكرة وأشعارهم وصلواتهم لعبادة السيدة العذراء. ومن هؤلاء القديسين يوحنا الفم الذهبي، ومار أفرام السرياني، وميتوديوس وغيرهم. نقرأ في ترتيلة للقديس ميتوديوس: «إن اسمك يا مريم، يا أم الله، ممتلئ نعمة وبركة إلهية. أنت أم المؤمنين. لقد أدركت ما لا يدرك، وحويت من لا يحده مكان. أنت أم الخالق، ومغذية مغذي الجميع. وقد حملت من بكلمته يحمل الجميع. لقد أقرضت الله الذي لا يعوزه شيء جسدا ليظهر به للبشر. القدير على كل شيء، قد رضي أن يصير إنسانا ويعرف الناس إليه. أي شيء أعظم من هذا الشرف، وهو أن المالئ السماوات والأرض، والمالك كل شيء قد رضي أن يصير فقيرا فيحتاج إليك. أنت أقرضت الله ثوبا وجسدا لم يكن له من قبل. ابتهجي يا أم الله وأمته، فإن دائن الخليقة كلها قد صار مدينا لك. نحن كلنا مدينون لله وهو صار مدينا لك. والذي قال: أكرم أباك وأمك، شاء أن يحفظ هذه الشريعة التي سنها. لهذا غمر أمه نعمة شرفا لأنها ولدته ميلادا جديدا.»

70

إلا أن أمومة مريم الإلهية قد بقيت موضوع خلاف بين المذاهب المسيحية الأولى، حتى انعقاد مجمع إفسوس الذي انتصر فيه التيار الغالب المؤمن بالأمومة. وقد رأس المجمع القديس كيرلس الإسكندري الذي أثرت تعاليمه على قرارات المجمع حول هذه النقطة. وكان من جملة أقواله التي ساقها في فترة التمهيد لعقد المجمع وخلاله: «إني أعجب من أولئك الذين يتساءلون: هل يجوز لهم أن يسموا القديسة العذراء أم الله أم لا؟ بما أن سيدنا يسوع المسيح هو الله، فكيف لا تكون التي ولدته أم الله؟ تلك هي العقيدة التي نقلها إلينا الرسل القديسون، ولو أنهم لم يستعملوا هذه العبارة.» وبعد انتهاء مداولات المجمع بحضور 150 أسقفا تمت الموافقة على عقيدة الأمومة الإلهية، وتم إطلاق اسم «أم الله» رسميا على السيدة مريم. وكان شعب مدينة إفسوس واقفا تحت نوافذ قاعة الاجتماعات يترقب تحديد العقيدة وإعلانها. وما إن تم ذلك، حتى خرج الشعب كله إلى الشوارع، وسار الجميع وعلى رأسهم الأساقفة يقطعون شوارع المدينة والمشاعل في أيديهم والنساء يحملن المباخر، والجميع ينادون بأن مريم والدة الإله وينادون: يا مريم يا أم الله.»

71

لقد فتح هذا اللقب الجديد الباب واسعا أمام العاطفة الشعبية لتكريس السيدة مريم أما كبرى. إن أمومة مريم الإلهية ليست أمومة للطبيعة الإلهية، ولا لكيان الابن القديم؛ لأنه الكلمة الذي كان عند الله بلا بداية، بل هي أمومة للإله الكلمة المتأنس يسوع. ومع ذلك فإن لقب أم الله قد وضعها في مصاف الأم الكبرى التي تدعى لدى كل الثقافات بأم الإله. وبدأ الخيال الشعبي يسبغ عليها ويستعير لها كل خصائص وصفات الأمهات اللواتي كن موضع عبادة في الديانات السابقة، واتخذت مقاما في العبادة يأتي مباشرة بعد الثالوث المقدس. وذلك يرجع في رأينا إلى نزوع نفسي متأصل في الطبيعة البشرية لعبادة القوى الإلهية في تجليها الأنثوي، إلى جانب عبادتها في تجليها الذكري. ولقد استعرضنا عبر فصول هذا الكتاب رحلة السيدة مريم من قديسة إلى أم كبرى، ولا نجد حاجة لتقديم ملخص شامل حول هذا الموضوع.

ولقد ساهمت الأعمال الفنية والتشكيلية في رسم هذه الصورة الجديدة للسيدة مريم، وقدمتها كأبهى ما تكون الأم الكونية الكبرى. من فيض هذه الأعمال نشير إلى عملين يقدمان في رأينا فكرة عما حاولت بقية الأعمال أن تقول. ففي تمثال خشبي بالحجم الطبيعي من فرنسا القرن الخامس عشر،

72

Bog aan la aqoon