Xujada Cishtar
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Noocyada
فقبل ظهور المكان وجريان الزمان، ومنذ الأزل، كان هناك الإله الأب والإله الابن والروح القدس، ثلاثة في واحد. في أزمان ما قبل الأزمان تلك، وقبل أن يتجسد الابن في هيئة بشرية ليغدو يسوع الناصري، وقبل أن يهبط الروح القدس في هيئة حمامة نارية مبشرا مريم، كان الإله الابن الكلمة-اللوغوس، المولود الوحيد للإله الأب، يصدر عنه منذ الأزل ومنذ الأزل كان الروح القدس ينبثق منهما معا ويغلق الدارة بينهما. ثلاثة في واحد إله قديم غير مخلوق، لم يظهر أقنوم من أقانيمه قبل ظهور الآخر، ولم يمر وقت لم يكن فيه الثلاثة معا في واحد. دارة حب مغلقة مكتملة مكتفية، فاض بها العطاء فأرادت أن تخلق، لا عن حاجة إلى الخلق وإنما عن حرية مطلقة، وهكذا، وبأمر من الكلمة، تم خلق أولى الكائنات المفارقة للطبيعة الإلهية وهم الملائكة؛ مخلوقات نورانية أحاطت بالنور الأعظم في هالات، هالة بعد هالة، كل هالة تحتوي على رتبة من رتب الملائكة، أعلاها رتبة الكيروبيم، يليها السيرافيم، وصولا إلى الملائكة العاديين.
23
بين هذه المخلوقات النورانية التي تحيط بالإله وتسبح بحمده، كان هناك ملاك من المرتبة الأولى اسمه لوسيفر، أي الوضاء، وكان فائق الجمال، مكتمل الصنعة الملائكية، معجبا أشد العجب بما وهبه الله من عظمة، واعيا أشد الوعي لها، معتقدا أنه من الصعب على الخالق أن يصنع ما هو أعظم منه؛ لأنه مثال على معجزة الخلق. وقد كان لوسيفر دائم التحديق إلى مركز النور الأعظم، حتى إنه أخذ يشاركه في رؤى المستقبل. فكان أن عرف أن الإله يعد لإيجاد مرتبة أعلى من مرتبة الكيروبيم والسيرافيم، يضع فيها مخلوقات فظة وجلفة من لحم ودم يكسو جلدها الشعر، وأن امرأة من هؤلاء ستغدو في المستقبل ملكة عليه. كما عرف، ويا للعجب، أن الابن نفسه سوف يغدو إنسانا منهم ويلبس جسدا آدميا.
وهنا، وانطلاقا من إرادته الحرة، فضل أن يلتزم مجده الملائكي الذي وهبه له الرب، فيقدمه على القصد الإلهي ويظهر تمرده على الله؛ رغم علمه الكامل بما سيجر عليه هذا التمرد من لعنة أبدية مقيمة. وهكذا كان؛ إذ أدار لوسيفر ظهره لنور الخالق، وتبعه في ذلك عدد كبير من الملائكة الآخرين، ممن أثار فيهم موقفه مشاعر مماثلة، فتطوح الجميع في مهاوي الظلام الخارجي، وتحول لوسيفر إلى إبليس ومن تبعه إلى شياطين، وصار حاكما لمملكة الظلام عدوا للخالق، آخذا على عاتقه إحباط صنائع الله، وإفساد البشر الذين أعدت لهم تلك المكانة العالية.
24
بعد ذلك تأتي مرحلة خلق الكون؛ فكان أول ما ظهر المادة البدئية الهيولية التي هي المياه الأولى بلا شكل ولا حدود، والرحم المظلم الذي كان روح الأب يرف فوقه على غير هدى. ثم أخذت الكلمة تخلق الكون انطلاقا من تلك المادة الأولى، فاكتمل في ستة أيام. وكان اليوم السادس يوم خلق الحيوانات الدابة على سطح الأرض وخلق الإنسان الأول كذلك. جبل الإله آدم من تراب الأرض فسواه على صورته ونفخ في أنفه نسمة الحياة، فجاء في صورة مادية كاملة وروح خالدة، ثم صنع له جنة في مركز الكون أسكنه فيها. وكان في وسط الجنة شجرة الحياة، وشجرة المعرفة. وقال الله لآدم أن يأكل من كل شجر الجنة عدا شجرة المعرفة؛ لأن الأكل من ثمرها سيجلب عليه الموت. ثم وهبه المرأة حواء التي صنعها من ضلعه وهو نائم، وتركهما يرتعان في أرجاء الجنة التي سخر لهما كل ما فيها، فعاشا فيها بعيدا عن كل هم أو ألم أو حاجة إلى كدح وعمل، عاريين لا يخجلان من عريهما. إلى أن تسلل لوسيفر إلى الجنة في هيئة الأفعى، والتف حول شجرة المعرفة منتظرا مرور المرأة حواء. فلما مرت من قرب الشجرة لفت نظرها وجود الأفعى، فاقتربت منها، فقالت الأفعى: أصحيح أن الرب قد منعكما عن ثمار الجنة؟ فقالت المرأة: بل نستطيع أن نأكل من كل شجر الجنة عدا هذه الشجرة؛ لأن الرب قد أمرنا ألا نأكل منها أو نلمسها كيلا نموت. فقالت الأفعى: لن تموتا، بل ستنفتح أعينكما إن أكلتما منها، وتصبحان كالآلهة فتعرفان الخير والشر. وهكذا رأت حواء أن الشجرة صالحة للأكل وممتعة للنظر، فمدت يدها وأكلت ثم نادت آدم وأطعمته كذلك. وما إن أكلا حتى انفتحت عيونهما وانتبها لعريهما فراحا يخصفان عليهما من ورق شجرة التين القريبة. وهنا مر الإله وعرف فعلتهما فقال لآدم الذي اختبأ وامرأته من وجهه: هل أكلت من الشجرة التي أمرتك ألا تأكل منها؟ فقال آدم: إن المرأة التي أعطيتني هي التي جعلتني آكل. فقال الإله للمرأة: أي فعل اقترفت؟ فقالت: الأفعى أغوتني فأكلت. وهنا ثار غضب الرب وصب لعنته على آدم وحواء، تلك اللعنة التي انسحبت على عالم الطبيعة برمته؛ لأن آدم كان رأس ذلك العالم وسيده. وقدر الرب على حواء ومن يليها من نساء البشر أن يلدن أولادهن بالوجع والآلام، وأن يكن تبعا لأزواجهن. أما آدم فقد لعن الرب من أجله الأرض، فجعلها لا تنبت إلا بعمل الإنسان وكده وتعبه، وجعلها تنبت مع الزرع شوكا وحسكا، ثم قدر عليهما معا الموت، وطردهما من الجنة إلى الأرض التي جبلا منها فيكدحان عليها وذريتهما. منذ ذلك الوقت ظهر الموت إلى الوجود، وظهر الألم، وظهر الشر مخالطا لنسيج الوجود المادي. وافترق الإنسان عن أصله الإلهي وسقط من عوالمه العلوية.
25
منذ البداية، كان الرب عارفا بما ستجره حرية الاختيار التي وهبها للوسيفر الملاك وآدم الإنسان من فساد للكون، وكان عليه الآن أن يقدم الدواء للعالم الغارق في الظلمة الحقيقية والخطيئة والموت، وذلك بالحلول في عالم الخلق ودخوله هو نفسه في دورة الحياة والموت، من أجل رفع لعنة الموت وحمل خطايا البشرية؛ فهو الوحيد القادر على تقديم القربان الكامل الذي من شأنه تحرير الخليقة من لعنتها البدائية وخطيئتها الأصلية الأولى. وهكذا هبط الابن من عليائه وعاش بين الناس ردحا قصيرا، ثم مات على الصليب مقدما لمن آمن به حياة أبدية. فإذا كان بآدم الأول يموت الكل، فإنه بآدم الثاني يسوع المسيح الكل يحيا، وإذا كانت حواء الأولى قد قدمت ثمرة الموت، فإن حواء الثانية التي هي السيدة مريم قد حملت بثمرة الحياة.
نقرأ للقديس مار أفرام السرياني: «إن البتول دعتني لأرنم سر بتوليتها العجيب، فأعطني يا ابن الله منك معجزة، ومن عطيتك هذه أغني على كنارتي فأرسم صورة والدتك بهيبة ... البتول مريم ولدت ابنها بالقداسة وأرضعت حليبها مرضع البرايا، وحملت ركبتاها حامل الكون. وهي بتول وهي أم ... فلتفرح بمريم جميع أجواق العذارى لأن واحدة منهن قد أنجبت ووضعت الجبار الحامل البرايا، وبه البشرية المستعبدة حررت. فليفرح بمريم آدم الأول الذي لسعته الحية، فمريم أعطته نبتة إن أكل منها سحق الحية، وبها يشفى من لسعة الحية القاتلة، فليفرح الكهنة بالمباركة التي انحنت، ووضعت الكاهن العظيم الذي صار ذبيحة وعفاهم من سائر الذبائح، وهو بإرادته صار ذبيحة وأرضى أباه.»
26
Bog aan la aqoon