235

Xujada Cishtar

لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة

Noocyada

11

وتصور الأساطير الأورفية النبي الإله أورفيوس شابا جميلا حالما ينشد أغانيه في البراري على ألحان قيثارته السحرية، فيأسر غناؤه كل المخلوقات، وتجتمع حوله الحيوانات من شتى الفصائل، والأشجار لتستمع إلى ألحانه التي كانت أيضا تحرك الأحجار والصخور. أحب الحورية «أوريديس» التي كانت الأنثى الوحيدة في حياته، ولكنها ماتت قبل الأوان، فمضى أورفيوس يملأ الأرض أنغاما حزينة، حتى رق له قلب إله وإلهة العالم الأسفل اللذين أخذا بسحر ألحانه، فسمحا له بالهبوط إلى عالم الموتى واستعادة حبيبته من هناك تحت شرط واحد، هو أن يقودها خارجا بها دون أن ينظر إليها حتى وصولهما إلى العالم الأرضي. عثر أورفيوس على حبيبته ومشى بها عبر بوابات الجحيم، ولكن صبره نفد عند البوابة الأخيرة فالتفت إليها، وحالا سحبتها قوى الموت نحو الأعماق من جديد، فصعد أورفيوس وحيدا ونذر على نفسه عفة فما اقترب من امرأة، إلى أن قتلته نساء تراقيا غيرة وحسدا ومزقنه إربا، وألقين به وقيثارته إلى مياه النهر.

12

وبذلك يلقى نبي ديونيسيوس نفس الميتة التي ماتها إلهه من قبله عندما مزق التيتان جسده إربا، وتبقى عذاباته موضوعا دائما لتفجع أتباع الأورفية، الذين بقوا يسترجعون ذكراها ويعيشونها في احتفالاتهم.

لكي نفهم فكرة الخلاص لدى الفرقة الأورفية، يتوجب علينا أن نفهم نظرية التكوين الأورفية في خلق العالم وظهور الآلهة والبشر؛ لأنها تقدم مفتاحا للولوج إلى عالم الأورفية السري وتصوراتها الكونية والأخروية. تقسم الأسطورة الأورفية تاريخ الكون إلى ثلاثة أدوار تتطابق مع المراحل الثلاث التي مر بها الإله ديونيسيوس منذ العماء البدئي، إلى حادث موته وارتفاعه مخلصا للبشرية. ففي البدء، كانت البيضة الكونية التي انشقت ليخرج منها ديونيسيوس-فانيس، أي ديونيسيوس المضيء أو حامل الضياء، الذي كان ذكرا وأنثى في آن معا، وله رأس الثور وجناحان من ذهب ، وفي داخله بذور الآلهة، وجميع مظاهر الكون التي ما لبثت أن انبثقت عنه. من أسمائه في هذه المرحلة «إيروس»، ومن أسمائه «ميتيس»، وكانت الإلهة «نيكس» أي الليل أول ذريته، فكان أباها وأمها في نفس الوقت. ثم أنجبت «نيكس» الأرض «جايا»، والسماء «أورانوس»، ثم «كرونوس». وهنا ينتهي الدور الكوني الأول ليبدأ الدور الثاني الذي يحكمه ديونيسيوس أيضا تحت اسم زيوس. كان زيوس أعظم أحفاد ديونيسيوس-فانيس؛ ولكنه لم يتوصل إلى السلطان إلا بعد ابتلاعه للإله البدئي فانيس نفسه. لم يكن هذا الابتلاع بمثابة فعل همجي يمارسه حفيد صغير للاستيلاء على عرش الجد الأكبر، بل كان فعلا طبيعيا ضم الوجود الاستاتيكي السكوني للإله فانيس، إلى الوجود الديناميكي الحركي للإله زيوس في كل موحد. فبعد هذا الابتلاع تبدأ معالم الوجود المادي المنظم بالظهور والتشكل. ثم يضاجع زيوس ابنته بيرسفوني وينجب منها ديونيسيوس-زاغروس. وقبل أن يشب زاغروس عن الطوق يعهد إليه أبوه بحكم العالم الأعلى والعالم الأسفل معا؛ الأمر الذي أثار غيرة التيتان فانقضوا على الطفل فمزقوه إربا والتهموه. ولكن زيوس عاجلهم بصواعقه فأحالهم إلى رماد، ومن رمادهم خرج الجنس البشري الذي ينطوي في جبلته على شر متأصل ورثه عن التيتان، وعلى قبس من روح الألوهة ورثه عن ديونيسيوس الذي التهمه التيتان. وهنا ينتهي الدور الكوني الثاني ليبدأ الدور الثالث، دور ديونيسيوس-زاغروس المخلص. فالإلهة أثينا التي كانت على مقربة من مسرح الجريمة، قد استطاعت إنقاذ قلب الإله قبل أن يأتي عليه التيتان مع بقية الأعضاء، فحملته إلى زيوس الذي شق فخذه وحضنه فيه حتى اكتمل جنينا، ثم أخرجه إلى العالم مرة أخرى. فكانت ولادة ديونيسيوس-ليسيوس مخلص البشرية ومحرر الأرواح، فمع ديونيسيوس الثالث ترجع الكثرة إلى أصلها في الواحد الإلهي الأزلي.

وكما عاش ثلاث مرات في ثلاث مراحل، كذلك هي روح الإنسان التي تعيش ثلاث مرات أيضا متقمصة ثلاثة أجساد؛ منها الحيواني ومنها البشري، قبل أن تتحرر من كثافة المادة وتترك الجسد راجعة إلى مصدرها في العوالم العلوية، بمعونة ديونيسيوس المخلص الذي تصفه النصوص الأورفية بأنه صياد الأرواح، الذي يخرج أرواح البشر من سجن المادة إلى حرية الأبدية.

13

وهي نفس المهمة التي قام بها السيد المسيح فيما بعد عندما خاطب الصيادين بطرس وأندراوس قائلا : هلما ورائي فأجعلكما صيادين للناس.

14

إلى جانب الديمترية والديونيسية كانت عبادة الإلهة سيبيل وابنها آتيس، ثالث أكبر عبادات الخصب في العالم اليوناني-الروماني. وفي هذه العبادة أيضا نشأت حلقات سرية لمعتقد الخلاص، عاشت داخل الديانة الأم دون أن تستقل عنها، وكان أتباع هذه الحلقات يمارسون طقوسهم واحتفالاتهم الخاصة في المواعيد المخصصة لاحتفالات عبادة الخصب السيبيلية نفسها. ورغم قلة ما نعرفه عن معتقدات تلك الجماعات وطقوسها، فإن نتفا مبعثرة من أخبارهم تدل على أن إله الخصب آتيس قد تحول في معتقدهم إلى إله مخلص، وأن غاية الطقوس السرية الآتيسية كانت التوحد مع ذلك الإله، وخصوصا عن طريق طقس العشاء السري، الذي يتناول خلاله الأتباع جسد الإله ويشربون دمه. ويسبق طقس العشاء السري فترة صوم قاسية، يطهر المريدون الجدد خلالها أجسادهم من آثار الغذاء الأرضي، ويستعدون لتلقي جسد المخلص. وفي نهاية الصيام يؤتى لهم بطعام في أوعية تشبه الطبول، وشراب في أوعية تشبه الصنوج، وذلك على غرار الأداتين الموسيقيتين اللتين تستعملان في احتفالات آتيس الصاخبة المملوءة بالعنف ومشاهد الدم. وإلى جانب العشاء السري، كان من أبرز طقوس العبور إلى الأسرار الآتيسية، طقس العماد بالدم، حيث يؤتى بالمريد الجديد وينزل به إلى حفرة تغلق فوهتها بألواح من خشب، ثم يؤتى بثور فينحر فوق الفوهة المغطاة، ويترك دمه ينسال من شقوق الألواح فيتلقاه المريد مخضبا به جسده، ثم يخرج وقد غطاه الدم بين تهليل أقرانه وصلواتهم. فلقد غسل بدم الثور خطاياه الماضيات وولد من جديد بعد موته الرمزي، وبعث حيا في آتيس. يبدو أن هذه الطقوس كانت تقام في روما في معبد الإلهة سيبيل الرئيسي الذي كان قائما على تلة الفاتيكان، وفي نفس المكان الذي شيدت فيه كنيسة القديس بطرس؛ فقد تم العثور عام 1608 خلال أعمال توسيع كنيسة الفاتيكان على مخطوطات تتعلق بطقوس آتيس المخلص.

Bog aan la aqoon