Xujada Cishtar
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Noocyada
ففي الملايو، تعتقد بعض القبائل بأن انبعاث القمر الشهري هو الذي يحفظ حياة البشر على الأرض، ولذلك كانوا يقيمون الطقوس التي من شأنها مساعدته على الظهور ثانية، بعد الليلة الظلماء التي يغيب فيها في أعماق الأرض. وعندما يقوم الهنود الحمر برقصاتهم الطقسية في ليالي القمر ينشدون: كما يموت القمر ثم ينهض للحياة من جديد، كذلك نحن نموت ولكن الحياة الجديدة في انتظارنا. ويشيع لدى قبائل أخرى دعاء موجه للقمر يقول: هل لي أن أجدد حياتي كما تجدد أنت حياتك. وفي مدغشقر تقول الأسطورة إن البشر لما خلقوا أول مرة خيروا في أن يتجددوا كما يتجدد القمر فيخلدوا بذواتهم، أو أن يتجددوا كما تتجدد شجرة الموز؛ أي بتخليد نوعهم عن طريق بذورهم، فاختاروا النوع الثاني من الخلود، مفضلين الحياة الجنسية التي تهب البنين على جنة لا تربط المرأة والرجل برباط الجنس، تماما كما هو حال الرواية التوراتية عن آدم وحواء؛ اللذين خسرا الخلود الفردي مقابل الفعل الجنسي الذي يخلد النوع. وفي ميلانيزيا تقول الأسطورة: إن إلهة القمر الكامل أرادت أن تسبغ نعمة التجدد والخلود على البشر، ولكن أختها إلهة القمر الهلال قد حولت تلك النعمة إلى جنس الأفاعي (قارن مع ملحمة جلجامش). وفي أستراليا اعتقد السكان الأصليون أن البشر في مطلع عهدهم، كانوا يتجددون كما القمر فيبعثون في اليوم الثالث لموتهم.
1
لقد رأى إنسان العصر الحجري في القمر إلهة خالدة قادرة على تجديد نفسها أبدا، وقادرة على منح الخلود لعبادها، وعندما صارت إلهة القمر الخالدة إلهة للدورة الزراعية، تموت وتبعث سنويا لضمان دورة الفصول، بقي بعث عشتار أملا للإنسان ببعث مماثل. فالإلهة التي هبطت إلى العالم الأسفل لتنتزع حياة النبات من غياهب الموت، فتهب البشر معاشا في هذه الحياة، قد ذاقت الموت أيضا لتهب البشر خلاصا من الموت وبعثا إلى عالم أفضل. إلا أن نعمة الخلود لم تكن مبذولة للجميع، كما لم تكن جزاء يناله كل من أدى فريضة العبادة وطقوسها، وسار في خط الأخلاق القويم؛ بل كانت وقفا على الخاصة ممن استطاعوا في هذه الحياة، ومن خلال رياضات روحية شاقة وطقوس سرية متاحة للقلة، أن ينتشلوا جوهر الروح من حمأة المادة، ويحققوا لقاء المتناهي باللامتناهي، الإنساني بالإلهي، في أعماق النفس الإنسانية، في تجربة تجعل من الوعد الآتي خبرة معاشة الآن والساعة.
ففي الديانات الرسمية لمعظم حضارات الشرق الأدنى وحوض المتوسط، لا نعثر منذ بدايات عصور الكتابة على اعتقاد واضح في وجود حياة ثانية وخلاص إلى عالم أفضل. فالموت كان نهاية الحياة الفردية، وأرواح البشر دون تمييز تذهب إلى العالم الأسفل، لتبقى هناك في حالة من الوجود الممض الثقيل، في جو مظلم مغبر ساكن، وزمن راكد لا جريان فيه ولا تغيير. هذه كانت حال العالم الأسفل في بلاد الرافدين، الذي أطلق عليه السومريون والبابليون اسم «كور» والإغريق اسم «هاديس». ولم يشذ عن ذلك العالم الأسفل التوراتي الذي أطلق عليه العبرانيون اسم «شيئول» أو «الهاوية» في الترجمات العربية. فالعبرانيون قد ساروا في تصوراتهم الأخروية على نسق التصورات السومرية والبابلية، وبقيت فكرة الخلود والعالم الآخر غامضة لديهم حتى ظهور المسيح الذي حرر الموتى وفتح أمام البشرية بوابة السماء؛
2
ففي الفلكلور المسيحي الذي اعتمد إنجيلا منحولا اسمه إنجيل «نيوكوديموس» يهبط المسيح بعد موته إلى العالم الأسفل؛ ليحرر الموتى وجميع الأنبياء المحتجزين هناك منذ زمن إبراهيم. وقبل ظهور نور المسيح في عالم الظلمات يشعر الموت بأن أمرا ما سوف يحدث، فيلتفت إلى الشيطان يحدثه قائلا: إنني لأشعر بمن ابتلعتهم منذ الخليقة يضطربون في جوفي، فبطني اليوم يؤلمني. وما إن أتم كلامه حتى بزغ من غياهب الظلمة نور أكثر سطوعا من نور الشمس أضاء العالم الأسفل كله، وجلجل صوت كقصف الرعد قائلا: افتح أبوابك الأبدية ليدخل إليك ملك المجد. فاضطرب الشيطان وأعوانه محاولين تدعيم بوابات العالم الأسفل، متسائلين: ومن هو ملك المجد هذا؟ فأجابهم الأنبياء، وخصوصا إشعيا والملك داود: إنه الرب الجليل الذي سيحطم بوابات النحاس ويكسر قضبان الحديد ليحرر المأسورين، وينير شعاب الموت المظلمة. ولكن يد المسيح تمتد إلى الشيطان قبل أن يستطيع صد البوابات في وجهه، ويسلمه إلى الملائكة الذين قيدوه وأطبقوا فمه، ثم يقوم بتحرير آدم والأنبياء والقديسين ويرفعهم معه إلى السماء.
3
إلى جانب هذا المعتقد الرسمي المرتبط بعبادة الآلهة الشمسية نجد معتقدات الخلاص والنشور إلى عالم آخر، قائمة في قلب الديانات العشتارية ذات الأصول القمرية. وقد بقيت هذه المعتقدات جزءا من ديانات الخصب ، تحافظ عليها وتمارس طقوسها ضمن حلقات ضيقة داخل الديانة نفسها، إلى أن استقلت هذه الحلقات مشكلة عبادات سرية خاصة بها، وهي عبادات الأسرار التي شاعت في الشرق القديم والعالم اليوناني-الروماني ، خلال القرون القليلة السابقة لميلاد السيد المسيح. ورغم أن هذه العبادات قد تركزت حول آلهة الخصب ذاتها، إلا أنها قد جعلت من فكرة الخلاص مركزا لمعتقدها وطقسها، مبتعدة عن معتقد الخصب الذي نشأت عنه، وتحول إله الخصب إلى مخلص للبشر من عالم المادة الفاني إلى عالم الروح الباقي. وتحولت طقوس الخصب السنوية إلى طقوس سرية مقتصرة على فئة قليلة، تهدف إلى تخليص أتباعها من الموت عن طريق التوحد بالإله الذي عرف الموت وانتصر عليه. ففي الوقت الذي كان يحتفل فيه أتباع ديانات الخصب ببعث روح الخصوبة لتدفع عنهم جوع عام آخر؛ كان أتباع ديانات الخلاص يحتفلون ببعث المخلص الذي يفتح لهم بوابة الأبدية. ورغم أن الفريقين كانا يحتفلان بنفس الدرام الإلهي القائم على دورة حياة إله الخصب، إلا أن أحداث هذا الدرام كانت تتخذ معاني سرية خاصة عند أتباع الأسرار، حتى إذا وصل الدرام نهايته، رفع ممثلو درام الخصب باقة طرية من سنابل القمح الذهبية، رمزا لولادة إلهة الخصب من ظلام العالم الأسفل، ورفع ممثلو درام الخلاص نفس الباقة، رمزا لولادة جوهر الروح الذهبي الذي لا يفنى.
إن ما نعرفه عن عبادات الأسرار قليل جدا مقارنة بأهمية تلك العبادات في الحياة الروحية للحضارات الكبرى وشيوعها الواسع، وذلك يعود إلى طبيعتها السرية والتكتم الشديد الذي فرضته على نفسها. فهي رغم كونها قد نشأت أصلا في منطقة شرق المتوسط، ومنها انتشرت إلى العالم اليوناني-الروماني،
4
Bog aan la aqoon