Xujada Cishtar
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Noocyada
يقدم الكاتب الروماني
Apuleius
في فصل «الكهنة الخصيان» الوصف الحي التالي لجماعة من خصيان الإلهة السورية وقد خرجت في موكب طقوسي وراء تمثال الإلهة المحمول: «كانت ملابسهم متعددة الألوان، وقد صبغوا وجوههم بالأحمر، يضعون على رءوسهم قلنسوات زعفرانية اللون، ويرتدون جلابيب وأحزمة حريرية، ويلبسون في أرجلهم أحذية صفراء. أما الإلهة فقد غطوها بعباءة حريرية خاصة. بدأ عازفو الهورن موسيقاهم العالية، وأخذ الكهان يلوحون بسيوفهم الضخمة وهراواتهم الشوكية، وهم يتقافزون كأن بهم مسا وأذرعهم عارية حتى الأكتاف. وبعد أن مررنا بعدة قرى توقف الموكب أمام بيت ريفي كبير، وعاد الكهنة إلى الرقص فكانوا يحركون رءوسهم نحو الأمام بقوة تجعل شعرهم الطويل يغطي وجوههم، ثم يهزونها بحركة دورانية سريعة، تجعل شعرهم الطويل يتطوح في دائرة واسعة حول الرأس. وبين حين وآخر كانوا يعضون أنفسهم بوحشية، فإذا بلغوا الذروة أخذوا بتجريح أذرعهم بسكاكين حادة يحملونها. وكان فيهم واحد فاضت به النشوة، فكان يطلق تنهدات من أعماق صدره وكأنه امتلأ بروح الإلهة، فبدا كمن به جنة، ثم راح يدلي باعترافاته عن آثام ارتكبها، ويدعو يداه لإيقاع العقاب به. وبعد أن انتهى استل سوطا وأخذ يجلد به نفسه حتى سال دمه، وهو يتحمل الألم بثبات يثير الدهشة. أما أنا فلم أكن في راحة من أمري، وخطر لي أن هذه الإلهة السورية ربما كانت متعطشة لدمي أيضا ...»
101
أما آتيس فلا يختلف في شيء عن التجليات الأخرى للإله الابن؛ فالتاج الهلالي الذي يلبسه على رأسه في بعض تمثيلاته التشكيلية ينبي عن أصوله القمرية،
102
واسمه نفسه إنما يعني «التيس»، وهو ذكر الماعز ذو القرون. وبذلك يلتقي آتيس مع ديونيسيوس الذي كان التيس رمزه الثاني بعد الثور، كما يلتقي الإلهان عند رمز آخر وهو شجرة الرمان. فغصن الرمان الذي حملت بواسطته أم آتيس هو الذي نبت من دماء ديونيسيوس القتيل. أما الصنوبرة التي مات تحتها آتيس والتي كانت صورته ترفع عليها في احتفاله السنوي، فهي الشجرة المقدسة في الديانة الديونيسية التي صنعت منها تماثيل ديونيسيوس، والتي حافظت على قداستها وصولا إلى الديانة المسيحية، حيث ما زالت في نصف المعمورة اليوم تنصب شجيراتها الصغيرة في عيد الميلاد. وموته بواسطة الخنزير البري يجعل منه نسخة مستعادة لأدوينس، ودمه الذي نبتت منه أزهار البنفسج هو دم أدونيس الذي نبتت منه شقائق النعمان، ودم ديونيسيوس الذي نبتت منه أزهار الرمان.
وآتيس هو روح القمح التي تموت في الخريف وتحيا مع الربيع. فمن ألقابه «باقة القمح»، وليس صيام عباده عن الخبز خلال أيام العيد إلا صياما عن أكل جسد الإله، وهو ما يذكرنا بعادة أهل حران في سوريا، الذين كانوا يمتنعون عن كل طعام يمر تحت حجر الطاحون خلال فترة حزنهم على الإله تموز. وهو روح الإنبات بشكل عام، يمثله نحت محفوظ في أحد متاحف روما، وقد أمسك بيديه باقة من القمح وأنواعا مختلفة من الفاكهة، ووضع على رأسه إكليلا من ثمار الصنوبر، وزهرة البنفسج. وهو أيضا روح الشجر والغاب، وليست إشارة الأسطورة إلى أن آتيس قد بعث من موته في شجرة صنوبر إلا توكيدا على ذلك. كما أن في تعليق صورة آتيس على شجرة الصنوبر وحملها معا في مواكب الاحتفال، تمثيلا مزدوجا للإله في شكله النباتي والإنساني. وربما كانت العادة في الماضي أن تعلق إلى شجرة الصنوبر أضحية بشرية تمثل الإله القتيل، ثم استبدلت صورته بها فيما بعد.
هذا ويذكرنا تحول آتيس إلى شجرة وحمله في هيئة بشرية على شجرة، بأوزوريس الذي انفتحت شجرة الطرفاء لتحتويه، وبأدونيس الذي ولد من شجرة. كما تذكرنا شجرة الصنوبر التي تلف بالأكفان البيضاء بأوزوريس الذي يبدو في معظم الأعمال التشكيلية ملفوفا بالأكفان من رأسه إلى قدميه، لا يظهر منه خارجا إلا الرأس واليدين.
ولعلنا واجدون في تعليق آتيس على الشجرة استباقا وتمهيدا لتعليق السيد المسيح على خشبة الصليب؛ فخشب الصليب ليس خشبا عاديا بالنسبة للأسطورة المسيحية، بل هو مصنوع من شجرة مقدسة هي شجرة المعرفة القائمة في جنة عدن، والتي أكل منها آدم وحواء. من هنا تطابق النصوص الطقسية والترانيم الدينية بين الصليب والشجرة.
Bog aan la aqoon