Xujada Cishtar
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Noocyada
40
وبصعود روح النبات من العالم الأسفل، تتفجر الخضرة من أعماق الأرض، وتنبث المزروعات من كل لون وصنف، وتزهر أغصان الشجر اليابس، ويكتمل عيد الربيع في يومه الثالث، حيث يتحول بكاء العباد وعويلهم فرحا. لقد اطمأنوا الآن إلى الموسم الطيب وما عليهم سوى انتظار موسم الحصاد ليرسلوا بتموز مرة أخرى إلى أعماق الجحيم.
يشكل عيد الربيع السنوي البابلي، اختصارا لعيدين قديمين تم دمجهما في عيد واحد؛ هما عيد الحصاد الذي كان يتم في شهر يوليو، وهو الشهر الذي ما زال المشرق العربي يطلق عليه اسم تموز، حيث كانت تقام طقوس ندب تموز القتيل روح القمح، وعيد الربيع الذي كان يتم مع الانقلاب الربيعي، حيث كانت تقام طقوس الاحتفالات بعودة روح القمح القتيل إلى الحياة. ثم جرى تأخير الاحتفال الربيعي ليستقر حول الخامس والعشرين من نيسان (إبريل) ملخصا الاحتفالين معا في عيد مدته ثلاثة أيام؛ حيث يتم في اليوم الأول بكاء تموز الميت وتمثيل عذاباته وآلامه، بشكل يدفع جمهرة المحتفلين إلى هستريا جماعية، يتخللها إلى جانب النحيب والعويل، لطم الخدود وتمزيق الثياب وما إلى ذلك. وفي اليوم الثالث، عندما يعلن الكهنة قيام السيد من بين الأموات، ينقلب المأتم إلى عرس، وتبدأ احتفالات العيد الحقيقية، التي يتخللها السكر والمجون والرقص والموسيقى والممارسات الجنسية. إن مدة العيد المؤلف من ثلاثة أيام، لا تعكس فترة موت تموز واحتجازه في العالم الأسفل، فطقوس العيد ليست سوى دراما يستعيد فيها المحتفلون قصة عشتار وتموز، وهي بقية من طقس قمري قديم كان يتم في كل شهر، لمساعدة القمر على الظهور ثانية عند أفق المشرق، ثم صار يتم في كل عام لمساعدة روح النبات على قهر الموت. أما موعد العيد السنوي، حوالي الخامس والعشرين من نيسان؛ فقد بقي موعدا تجمعت حوله معظم أعياد أبناء الأم الكبرى، وصولا إلى عيد الفصح المجيد، ذكرى موت السيد المسيح وقيامه من بين الأموات.
وقد استمرت طقوس البكاء على تموز إلى وقت متأخر في الشرق الأدنى. ونجد ذكرا لها في التوراة، باعتبارها من الطقوس التي كان يمارسها اليهود في هيكل الرب، تقليدا لجيرانهم السوريين: «وقال ادخل وانظر الرجاسات الشريرة التي هم عاملوها هنا. فدخلت ونظرت، وإذا كل شكل دبابات وحيوان نجس وكل أصنام بيت إسرائيل مرسومة على الحائط على دائرة، وواقف قدامها سبعون رجلا من شيوخ بني إسرائيل، وكل واحد مجمرته في يده ... وجاء بي إلى مدخل بيت الرب الذي في جهة الشمال، وإذا هناك نسوة جالسات يبكين على تموز.»
41
وفي مدينة حران بسوريا، وهي المدينة التي حافظت على تقاليدها السابقة إلى ما بعد الفتح الإسلامي بفترة طويلة، كانت طقوس تموز ما زالت حية إلى القرن العاشر الميلادي، فبعض المصادر الإسلامية تذكر أن بعض الفرق الدينية في حران، كانت في شهر تموز تقيم عيد «البغاث»، وهو عيد النساء الندابات اللواتي كن يبكين الإله «تاعوز». وتمضي تلك المصادر في تفسير معنى الطقس فتقول: إن تاعوز كان شابا يافعا قتله سيده ثم طحن جسده بين حجري الطاحون وذرا أجزاءه في الهواء، ولذلك كانت النساء خلال العيد لا تأكل قمحا مطحونا، بل يقتصرن على الأطعمة النباتية.
42
وهكذا نجد المصادر التاريخية تقع في الخطأ نفسه، وتروي بعد ما ينوف عن الألف عام، القصة التبريرية نفسها عن الفتى الشاب الذي يموت ميتة قاسية في عز شبابه. إن تاعوز هنا ليس سوى تموز القمح القتيل، وليس امتناع النساء عن أكل القمح المطحون سوى امتناع عن أكل جسد الإله في عيده السنوي.
عستارت وأدونيس
لقد تزوج الإله الابن الأم الكبرى في وجهيها الأبيض والأسود، فعاش في أحضان عشتار جزءا من السنة، وفي كنف إريشكيجال جزء السنة الآخر. وإذا كانت أسطورة عشتار وتموز لا تظهر هذه الفكرة بشكلها الصريح؛ إذ يبدو تموز في العالم الأسفل رهينا لإريشكيجال ينتظر فك أسره، فإن عنصر زواج تموز من الإلهتين وتنافسهما من أجله يبدو واضحا في أسطورة عستارت وأدونيس الكنعانية.
Bog aan la aqoon