تلك هي سيرة «امرئ القيس» الذي أضل تاريخه الكثيرين قبل أن يلقبوه بالملك الضليل.
فمن اليسير عندنا أن نعرض أخباره على التفسير العلمي، فنعلم منها يقينا ما ليس بالمختلق لاستحالة اختلاقه على مؤرخيه في صدر الإسلام، وبعد صدر الإسلام إلى الأزمنة المتأخرة؛ لأن أولئك المؤرخين يجهلون التفسيرات العلمية التي تؤخذ من أخبارهم فيما يصححون روايته، أو يتعمدون فيه التزيد والتلفيق.
وهذه أمثلة متفرقة من الأخبار التي نضم بعضها إلى بعض، فيتم بها تفسير سيرة الشاعر على نحو لا يستطاع تلفيقه في زمانه أو أزمنة مؤرخيه: (1)
يقول كتاب الشعر والشعراء: «كان امرؤ القيس جميلا وسيما، ومع جماله وحسنه مفركا لا تريده النساء إذا جربنه، وقال لامرأة تزوجها: ما يكره النساء مني؟ قالت: يكرهن منك أنك ثقيل الصدر خفيف العجز، سريع الإراقة، وسأل أخرى فقالت: يكرهن منك أنك إذا عرقت فحت برائحة كلب، فقال: إنك صدقتني وإن أهلي أرضعوني بلبن كلبة.» (2)
وروى غير مصدر من مصادر تاريخه «أنه تزوج امرأة من طيئ فأبغضته من ليلتها، وكرهت مكانها معه فجعلت تقول له: يا خير الفتيان أصبحت، فيرفع رأسه فينظر فإذا الليل كما هو فتقول: أصبح ليل ...! فلما أصبح قال لها: قد علمت ما صنعت الليلة، فما الذي كرهت مني؟ ولم يزل بها حتى قالت مثل ما تقدم.» (3)
روى الميداني أنه لما جاور في طيئ نزل به علقمة الفحل التميمي، فقال كل واحد منهما لصاحبه: أنا أشعر منك، فتحاكما إلى امرأته فقالت له: علقمة أشعر منك؛ لأنك زجرت فرسك وحركته بساقك وضربته بسوطك، وأنه أدرك الصيد ثانيا من عنان فرسه، فغضب امرؤ القيس وقال: ليس كما قلت، ولكنك هويته، فطلقها فتزوجها علقمة وبهذا لقب علقمة الفحل. (4)
وأجمع المؤرخون على أنه كان يلقب بذي القروح ، ولكنهم اختلفوا في إصابته بالقروح فقال بعضهم: إنها مرض كالجدري، وقال آخرون: إنها من حلة مسمومة خلعها عليه قيصر بعد سفره من القسطنطينية انتقاما منه؛ لأن رجلا من بني أسد كان على صلة بحاشية قيصر، فسمع أن امرأ القيس يغازل بنت قيصر فوشى به، وألقى إلى الملك أن امرأ القيس «غوي داعر» وسيفضح ابنته بشعره. (5)
وغير هؤلاء الرواة يقولون: بل كان قيصر راضيا عن الشاعر إلى ما بعد وفاته، وأمر بإقامة تمثال له عند قبره شاهده الخليفة المأمون لما دخل بلاد الروم ليغزو الصابئة.
هذه جملة أخبار متفرقة يؤخذ منها أن امرأ القيس كان مصابا بالتهاب جلدي يحدث من اجتذاب المواد الدهنية، والسكرية لطائفة من الطفيليات، ويفوح العرق في هذه الحالة برائحة كرائحة الكلب؛ لأن الكلب قليل المسام في جلده، فيشبه عرقه عرق جلد الإنسان المصاب.
ويضاف إلى ذلك أن العلاقة بين الأمراض الجلدية وأمراض الوظائف الجنسية معروفة، ولهذه العلاقة يتخصص أطباء هذه الأمراض بعلاج الأمراض الجنسية كما هو معلوم.
Bog aan la aqoon