56

ولكن الإسلام يمنع حصر الثروة في أيدي طبقة واحدة

كي لا يكون دولة بين الأغنياء [الحشر : 7].

ولا يخفى أن المشكلة الكبرى في العصر الحديث إنما هي مشكلة العلاقة بين حرية الفرد ومصلحة الجماعة، والإسلام لا يقيد المسلمين بنظام معين لحل هذه المشكلة، ولكنه يحرم السلطان المطلق كل التحريم، ويحرم استئثار طبقة معينة بخيرات المجتمع، ولا يحاسب الفرد إلا بما هو مسئول عنه مختار فيه، ولا يفرض عليه واجبا فوق طاقته، وهذا كل ما يطلب من «الأيديولوجية» الدينية في تقرير نظام الحكم، وما بقي فهو من الأعمال التي يتولاها الناس في كل زمن بما يقتضيه.

وأصعب الصعوبات في كل «أيديولوجية» سواء كانت دينية أو فلسفية، أنها تخاطب الشخصيات المنوعة بلسان واحد، كأنها مطبوعة في طابع واحد، الأيديولوجية لا محل لها في الثقافة العربية؛ لأن «الشخصية الإنسانية» تبلغ مداها في هذه الثقافة من التعبير عن نفسها، وذخيرة الشعر العربي من أقدم العصور تكفي لتفريج كل حجر يعوق الشخصية عن تطورها، ففيه من ألوان الشخصية أكثر مما في قصص الأمم الأخرى من الشخوص المتخيلين

Figures ، مع الفارق بين المثل الحي المعبر عن وجدانه بلسانه، وبين الدمى المخلوقة من صنع الخيال يلقى على ألسنتها كل ما يقال.

ومكان الشعر العربي في «الأيديولوجية» أنه أكثر من أدب، وأنه تعبير عضوي

Organic

عن الحياة الباطنة، فهو تنفيس حر عن الوجدان في قضاياه الخاصة والعامة ولا صدام فيه؛ لأنه منوع كثير الأنماط، يناسب حالات كثيرة من النقائض التي تعرض للإنسان.

إن القداسة عبء ثقيل لا يقوى عليه المخلوق الفاني في جميع أوقاته، ولكن المعبد الذي يأذن إلى جانبه بالمضمار الرياضي، والمنبر البليغ يعطي الإنسانية حقها، ويعينها على واجبها إذا أرادت أن تعان عليه.

وهكذا تستطيع الأيديولوجية العربية من جانبها الديني وجانبها الفني أن تقيم الإنسان على رأس طريق لا ظلام فيه! شخصية حرة مسئولة، ومجتمع يوجب المساواة في الحقوق، ولا يسمح باحتكار الثروة لفئة محدودة ولا يحرم الممتاز فرصة الامتياز، وواجب على قدر الطاقة في جميع الأحوال.

Bog aan la aqoon