وكذلك «برهان»، وقد شقها صاحب «القاموس» من «برهن»، وشقها غيره من «بره» بمعنى القطع وأن النون زائدة فيها. وهي في الحبشية «برهان» أي النور أو الإيضاح، مشتقة من «بره» عندهم أي اتضح أو أنار.
وقس على ذلك كثيرا من أمثاله، كالمصحف فإنه حبشي من «صحف» أي كتب، والمصحف الكتاب. ناهيك بأسماء الحيوانات أو النباتات أو نحوها، فإن «عنبسة» من أسماء الأسد عند العرب وهي اسم الأسد بالحبشية.
وقد أخذوا عن العبرانية كثيرا من الألفاظ الدينية كالحج والكاهن والعاشوراء وغيرها، وأكثرها نقل إلى الصيغ العربية لتقارب اللفظ والمعنى في اللغتين لأنهما شقيقتان. ويضيق هذا المقام عن إيراد الأمثلة.
ولا ريب أن العرب اقتبسوا كثيرا من الألفاظ السنسكريتية ممن كان يخالطهم من الهنود في أثناء السفر للتجارة أو الحج، لأن جزيرة العرب كانت واسطة الاتصال بين الشرق والغرب فكل تجارات الهند المحمولة إلى مصر أو الشام أو المغرب كانت تمر ببلاد العرب، ويكون للعرب في حملها أو ترويجها شأن. وقد عثرنا في السنسكريتية على ألفاظ تشبه ألفاظا عربية تغلب أن تكون سنسكريتية الأصل لخلو أخوات العربية من أمثالها كقولهم «صبح» و«بهاء»، فإنهما في السنسكريتية بهذا اللفظ تماما ويدلان على الإشراق أو الإضاءة، ولا يعقل أنهما مأخوذان عن العربية لأن السنسكريتية دونت قبل العربية بزمن مديد. ونظن لفظ «سفينة» سنسكريتي الأصل أيضا، وكذلك «ضياء». ولعلنا بزيادة درسنا اللغة السنسكريتية ينكشف لنا كثير من أمثال ذلك.
على أننا نرجح أن العرب أخذوا عن الهنود كثيرا من المصطلحات التجارية وأسماء السفن وأدواتها وأسماء الحجارة الكريمة والعقاقير والطيب مما يحمل من بلاد الهند، والعرب يعدونها عربية أو يلحقونها بالألفاظ الفارسية تساهلا كالمسك مثلا، فقد رأيت صاحب «المزهر» يعده فارسيا وهكذا يقول صاحب «القاموس»، وهو في الحقيقة سنسكريتي ولفظه فيها «مشكا». وذكروا «الكافور» بين الألفاظ الفارسية، وهو هندي على لغة أهل ملقا ولفظه عندهم «كابور». وقد ذكروا أيضا أن القرنفل فارسي، والغالب عندنا أنه سنسكريتي لأن أصله من الهند. وقس عليه. (1) القاعدة في تعيين أصول الألفاظ الأعجمية
وتعيين أصل اللفظ لإلحاقه باللغة المأخوذ منها يحتاج إلى نظر لا يكفي فيه المشابهة اللفظية، إذ كثيرا ما تتفق كلمتان من لغتين في لفظ واحد ومعنى واحد ولا تكون بينهما علاقة، وإنما يقع ذلك على سبيل النوادر بالاتفاق، إلا إذا دلت القرائن على انتقال إحداهما من لغة إلى أخرى وساعد الاشتقاق على ذلك.
فإذا اتفق لفظان متقاربان لفظا ومعنى في لغتين، وكان بين أهل تينك اللغتين علاقات متبادلة من تجارة أو صناعة أو سياسة؛ فإن لنا الظن أن إحداهما اقتبست من الأخرى. فإذا كان ذلك اللفظ من أسماء المحاصيل أو المصنوعات أو الأدوات فيرجح لحاقه باللغة السابقة إلى ذلك، كلفظ «المسك» مثلا فإنه موجود في العربية وفي الفارسية وفي السنسكريتية وفروعها، فإذا عرفنا أن المسك يحمل إلى العالم من تونكين وتيبت ونيبال والصين، وأن الهنود القدماء كانوا يحملون الطيب إلى الأمم القديمة ويمرون بسفنهم ببلاد العرب؛ ترجح عندنا أن العرب أخذوا هذه اللفظة عن الهنود كما أخذها الفرس منهم، أو لعلها انتقلت إلى الفارسية من العربية لأن الفرس يعدونها عربية كما يعدها العرب فارسية، أو هي في الفارسية باعتبار أنها فرع من السنسكريتية كما هي في الإنجليزية بطريق التفرع، وكما هي في اللاتينية لأنها أخت السنسكريتية، ومن اللاتينية انتقلت إلى الفرنسية لأنها فرع من اللاتينية.
ويقال نحو ذلك في «كافور» فإن العرب يعدونها فارسية والفرس يقولون إنها عربية ، وهي موجودة أيضا في السنسكريتية واللاتينية وفروعهما، فبأيها نلحقها؟ في مثل هذه الحال يجب البحث في مصدر الكافور، فإذا علمنا أنه يصدر من اليابان والصين ومن ملقا وأن اسمه باللغة الملقية «كابور»، ترجح عندنا أنه ملقي الأصل.
وكذلك «الزنجبيل» - الجذور المعروفة - فإن العرب يقولون إنها تعريب «شنكبيل» في الفارسية والفرس يقولون إنها عربية، ولم نجد «شنكبيل» في القاموس الفارسي. وإذا بحثنا عن اسم هذا العقار في اللغات الأخرى رأينا اسمه في اليونانية «زنجباريس» وفي اللاتينية «زنجبار»، فأول ما يتبادر إلى الذهن أنه من «زنجبار» البلد المعروف وأنه سمي بذلك لأنه كان يحمل منه أو لسبب آخر، فإذا رجعنا إلى منبت هذا العقار رأيناه هنديا ورأينا اسمه في اللغة السنسكريتية «زرنجابيرا» مشتقة من «كرينجا» أو «زرنجا» أي القرن لمشابهة جذوره به، فيترجح عندنا أنه سنسكريتي الأصل.
ومن هذا القبيل «الفلفل»، فإن العرب يقولون إنه فارسي والفرس يقولون إنه عربي، وهو موجود أيضا بمثل هذا اللفظ في الإنجليزية والألمانية واللاتينية، ويوجد أيضا في السنسكريتية ويلفظ فيها «ببالا» أو «فيفالا». ولما كان الفلفل من محاصيل الهند وأجوده يرد من مالابار، نرجح أن هذه اللفظة سنسكريتية الأصل، ومعنى «ببالا» عندهم أيضا «التينة المقدسة».
Bog aan la aqoon