قوم يصلحون فامتنعوا جَمِيعًا وَكَانَ السُّلْطَان لَا يسمع الْخُصُومَات بِنَفسِهِ يأثمون لِأَنَّهُ تَضْييع لأحكام الله تَعَالَى
وَفِي التَّنْبِيه وَعند الشَّافِعِي ﵀ إِذا كَانَ القَاضِي فَقِيرا أَو قَصده اسْتِعْمَال الْأَحْكَام لحركة يجوز لَهُ أَن يطْلب الْقَضَاء
قَالَ أَبُو حنيفَة ﵀ لَا يتْرك القَاضِي على الْقَضَاء الا سنة وَاحِدَة لِأَنَّهُ مَتى اشْتغل بذلك نسي الْعلم فَيَقَع الْخلَل فِي الحكم فَيجوز للسُّلْطَان أَن يعْزل القَاضِي بريبة وَبِغير رِيبَة وَيَقُول السُّلْطَان للْقَاضِي مَا عزلتك للْفَسَاد فِيك وَلَكِن أخْشَى عَلَيْك أَن تنسى الْعلم فادرس الْعلم ثمَّ عد الينا حَتَّى نقدلك ثَانِيًا
وَلَا يسلم على القَاضِي فِي مجْلِس قَضَائِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا جلس لفصل الْخُصُومَات لَا لرد السَّلَام وَأما الْأُمَنَاء الَّذين هم فِي مَجْلِسه هَل يسلم عَلَيْهِم الصَّحِيح أَنه إِن سلمُوا على النَّاس يسلم عَلَيْهِم
وَيكرهُ للْقَاضِي أَن يُفْتِي فِيهِ فِي مجْلِس للْقَضَاء وَفِي غَيره اخْتلف الْمَشَايِخ قيل يكره لِأَن الْخُصُوم يدْخلُونَ عَلَيْهِ بالحيل الْبَاطِلَة وَهَذَا يَشْمَل الْمجْلس وَغَيره وَقيل يُفْتِي فِي الْعِبَادَات وَلَا يُفْتِي فِي الْمُعَامَلَات كَذَا فِي الْمُحِيط
وَفِي المحلقات وَإِذا اخْتصم إِلَى القَاضِي اخوة أَو بَنو أعمام يَنْبَغِي لَهُ أَن يدافعهم قَلِيلا وَلَا يعجل بِالْقضَاءِ بَينهم لَعَلَّهُم يصطلحون لِأَن الْقَضَاء إِن وَقع بِحَق فَرُبمَا يَقع سَببا للعداوة بَينهم كَذَا ذكر هُنَا وَهَذَا لَا يخْتَص بالأقارب بل يَنْبَغِي أَن يفعل ذَلِك أَيْضا إِذا وَقعت الْخُصُومَة بَين الْأَجَانِب لِأَن مر الْقَضَاء يُورث الضغينة فيحترز عَنهُ مَا أمكن انْتهى
قَالَ جلال الدّين أَبُو المحامد حَامِد بن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب السجلات يجوز للْقَاضِي أَخذ الْأُجْرَة على كتبه السجلات والمحاضر وَغَيرهَا من الوثائق بِمِقْدَار أُجْرَة الْمثل وَذَلِكَ لِأَن القَاضِي إِنَّمَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وإيصال الْحق إِلَى مُسْتَحقّه فَحسب أما الْكِتَابَة فَزِيَادَة عمل يعمله للمقضى لَهُ وعَلى هَذَا قَالُوا لَا بَأْس للمفتي أَن يَأْخُذ شَيْئا على كِتَابَة جَوَاب الْفَتْوَى وَذَلِكَ لِأَن الْوَاجِب على الْمُفْتى الْجَواب بِاللِّسَانِ دون الْكِتَابَة بالبنان وَمَعَ هَذَا الْكَفّ عَن ذَلِك أولى احْتِرَازًا من القيل والقال وصيانة لماء الْوَجْه عَن الابتذال
مَسْأَلَة لَا يصير الرجل أَهلا للْفَتْوَى مَا لم يكن صَوَابه أَكثر من خطئه وَذَلِكَ لِأَن صَوَابه مَتى كثر غلب والمغلوب فِي مُقَابلَة الْغَالِب سَاقِط كَذَا فِي الملتقطات
وَذكر فِي الْبُسْتَان قَالَ الْفَقِيه كَانَ بَعضهم يكره الْفَتْوَى لما روى عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ أجرأكم على النَّار أجرؤكم على الْفَتْوَى وَلَا يَنْبَغِي أَن يكون الْمُفْتِي جبارا فظا غليظا بل يكون متواضعا
مَسْأَلَة أجر الْمثل فِي أَخذ الْأُجْرَة على كِتَابَة المحاضر والسجلات والوثائق فِي كل ألف دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم إِلَى الْعشْرَة وَالصَّحِيح أَنه يرجع فِي الْأُجْرَة إِلَى مِقْدَار طول الْكِتَابَة وقصرها وصعوبتها وسهولتها وَأما أَخذ القَاضِي الْأُجْرَة على الْأَنْكِحَة الَّتِي يُبَاشِرهَا مثل نِكَاح الصغار والأرامل اللَّاتِي لَا ولي لَهُنَّ لَا يحل لَهُ أَخذ شَيْء على ذَلِك كَذَا فِي كتاب السجلات
وَفِي الغنية وَيَنْبَغِي أَن ينصب انسانا حَتَّى يقْعد النَّاس بَين يَدي القَاضِي ويقيمهم وَيقْعد الشُّهُود ويقيمهم ويزجر من أَسَاءَ الْأَدَب وَيُسمى صَاحب الْمجْلس والجلواز أَيْضا وَأَنه يَأْخُذ من الْمُدَّعِي شَيْئا لِأَنَّهُ يعْمل لَهُ بإقعاد الشُّهُود على التَّرْتِيب وَغَيره لَكِن لَا يَأْخُذ أَكثر من دِرْهَمَيْنِ وللوكلاء أَن يَأْخُذُوا مِمَّن يعْملُونَ لَهُ من المدعين وَالْمُدَّعى عَلَيْهِم وَلَكِن لَا يَأْخُذُوا لكل مجْلِس أَكثر من دِرْهَمَيْنِ والرجالة يَأْخُذُونَ أُجُورهم مِمَّن يعْملُونَ لَهُ وهم المدعون لكِنهمْ يَأْخُذُونَ فِي الْمصر نصف دِرْهَم إِلَى دِرْهَم وَإِذا خَرجُوا إِلَى الرساتيق
1 / 219