ورنا إليها عباس وهي تمضي وظلت عيناه عالقتين بها حتى غابت عن عينيه، فأطرق معتمدا رأسه على كفه المرتعشة، وتساقطت الدموع من عينيه، ووجد نفسه يقول بلا وعي: سافل ... سافل ... سافل ...
الفصل السابع عشر
تخرج عباس في كلية الهندسة؛ فقد استطاع أن يفرغ لمذاكرته من هذه الأحداث حتى نجح. ولم يكن لقاؤه لأبيه يسمح له أن يخبره بنجاحه؛ فقد كان أبوه لا يراه إلا إذا شاءت الصدفة أن يراه. وعرفت أمه بالنجاح فأقبلت على أبيه فرحانة أن تزيل بهذا النبأ الهام في تاريخ الأسرة ما يحمله الأب على ابنه من غضب وسخط، ولكن لم يفلح حصول عباس على شهادة الهندسة أن يمحو بعضا من غضب أبيه، وإنما كل ما قاله في غير اهتمام: غريبة.
وصمتت الأم قليلا فقال الشيخ سلطان: اسمعي يا زكية، أنا لا أريد هذا الولد في البيت، ولم يبق له في عنقي إلا أن يتزوج فاسأليه؛ فإني أريده أن يخرج من البيت بسبب مقبول أمام الناس، كما أني أريد أن أتخلص من مسئوليته تماما.
وقالت زكية في طيبة ساذجة: ألا تريد ابنك في البيت؟
ونظر إليها الشيخ سلطان وأوشك أن يثور، ولكنه رأى السذاجة على وجهها، فقال في غضب مكبوت: ابني الكافر الملحد الزنديق خراب البيوت الزاني. ابني هذا ليس ابني، إنه لم يصبح عندي إلا مسئولية أريد أن ألقيها عن عاتقي، أفهمت!
وأطرقت زكية في استسلام وقالت: أمرك.
وقامت عنه كسيفة. ورآها عباس تعود إليه بوجهها الشفاف الذي لم يستطع يوما أن يخفي شيئا يعتمل في نفسها، وعرف ما تحمل أمه من فرحة صريعة وبهجة وأدها أبوه قبل أن تتنفس، فقام تاركا البيت يبحث عن مكان آخر يستطيع فيه أن يقول نجحت، ويجد انعكاس كلمته فرحة على وجه، وابتسامة طليقة غير موءودة.
واستقبله بيت خالته في حنان. كانت ليلى هناك وكان لطفي وكانت الخالة وكان رضوان أفندي، كانوا جميعا وكانوا فرحين؛ فقد نجحت ليلى كما نجح لطفي، وحين رأوا عباس والفرحة الحائرة على وجهه قالت ليلى: نجحت؟ أخذت الدبلوم أليس كذلك؟
وامتلأت نفس عباس غبطة أن أدركت ليلى ما بنفسه وقال: نعم. - وأطلقت خالته زغرودة كبيرة ، ثم قالت: ألف مبروك يا بني، ألف مبروك.
Bog aan la aqoon