وصمت مرقص أفندي قليلا ورفع رأسه من إطراقه، ثم قال: هون عليك يا شيخ سلطان. - أمثل هذا الخطب يهون؟ - قل لي، ألا تحس أنك قد أديت واجبك نحوه؟ - وما فائدة أنني أديت واجبي إذا كان لم يثمر؟ - المفروض يا شيخ سلطان أننا نؤدي واجبنا نحو أولادنا، وحين يبلغون من السن ما بلغه عباس يصبحون هم مسئولون عن أنفسهم أمام الله والناس، هل قصرت في شيء؟ - وهل أدري؟ - كل إنسان يؤدي واجبه بالطريقة التي يعتقد أنها صحيحة، فهل أنت مقتنع أنك أديت واجبك بالطريقة التي يرضاها ضميرك؟ - كان ضميري مستريحا، أما الآن، فلا أدري. - لا أحد يدري إلا أنت، وإذا كنت مقتنعا أنك أديت واجبك فالنتائج ليست بيدك أنت. - إنه يرفض أن يصلي يا مرقص. - عدم الصلاة لا يدل على الإلحاد يا شيخ سلطان، كثير منا لا يذهبون إلى الكنيسة ولكنهم مؤمنون. - قال لي إنه غير مقتنع. - اسمع يا شيخ سلطان، أنا أعتقد أن أي ضغط في هذه الناحية سيؤدي إلى عكس النتيجة التي تريدها، اترك صلته بربه له هو يصنع فيها ما يشاء، وأكمل أنت واجبك. - أيظل في بيتي يأكل من شقائي ونظل متخاصمين؟ - أبدا يا شيخ سلطان، سأناديه أنا وأجعله يقبل يدك ويعتذر إليك. - والصلاة؟ - دع هذه لله يحاسبه عليها يا شيخ سلطان. - افعل ما تراه يا مرقص فأنا واثق من حسن تصرفك، وليست هذه أول مرة ألجأ إليك فيها لتحل مشكلاتي، وإن كانت هذه هي أعظم مصيبة واجهتها. - كل شيء يهون يا شيخ سلطان، كل شيء يهون.
الفصل الثاني عشر
كانت إيفون تنتظر عباس مشوقة إليه تحمل في نفسها كلاما كثيرا تريد أن تقوله له، ولم يطل بها الانتظار فقد جاء عباس في موعده المحدد، وما إن أغلق الباب من خلفه حتى احتواها في أحضانه وراح يقبلها في نهم، ولكن إيفون قطعت عليه قبلاته قائلة: عباس، انتظر، أريد أن أكلمك.
وتوقف عباس ونظر إليها، ثم جلس إلى السرير وجلست هي على المقعد وقالت: أليس هناك شيء تريد أن تقوله لي؟
ودهش عباس من السؤال وقال: مثل ماذا؟ - لا أدري، فإننا كنا نتكلم ... نتكلم كثيرا ... ولكننا منذ ... منذ ... منذ جئتني على غير موعد ... أتذكر تلك الليلة؟
وأومأ عباس برأسه أن نعم، فاستأنفت إيفون الحديث: منذ تلك الليلة لم تتكلم، أصبحت كأنك تجيء لغرض واحد تناله، ثم تنصرف.
وصمت عباس واستأنفت إيفون: اختلفت مع أبيك فلم تقل لي حتى عن سبب خلافك.
وقال عباس دون أن يبين في حديثه ما يعتمل بنفسه من ضيق: وماذا أقول؟ وعلى كل حال هذه المسألة قديمة وقد استطاع أبوك أن ينهيها على خير. - نعم، استطاع أن يجعلك ترى أباك فقط، ولكنه يعرف كما تعرف أنت أن أباك ما زال غاضبا عليك. - على كل حال هذه مسألة انتهت من زمان. - كنت أرجو أن أكون أنا موضع سرك وأعرف كل ما يدور في نفسك. - لم أكن أدري أنك تريدين أن تعرفي. - ماذا تظن بي؟ ماذا أنا عندك؟ - وما يهمك من هذا؟
وحملقت فيه إيفون ذاهلة حائرة غاضبة خائفة: ألا تدري ماذا يهمني؟
وأطرق عباس لحظة، ثم قال: لم أقصد ما يغضبك، وإنما نجتمع لوقت محدود وأعتقد أن الفرصة لا تسنح لمثل هذا الحديث. - عباس، أتحبني؟! - أتشكين في هذا؟ - نعم. - فأنت مجنونة. - أرجو أن أكون واهمة في هذا الشك. - أنت واهمة طبعا. - أتنوي أن تتزوجني؟ - ألم نتكلم في هذا من قبل؟ - أجب على سؤالي يا عباس. - أنت تعرفين جوابي، طبعا سنتزوج. - عباس! لا أحس روحك في ألفاظك! - ألا تصدقينني؟ - أرجو أن أصدقك. - أليست أمامنا سنوات طوال للبحث في هذا الأمر؟ - سنوات! هل نسيت؟ لم يعد أمامك إلا سنة واحدة وتتخرج. - وهل السنة شيء قليل؟ - ليست السنة شيئا قليلا؟ ولكنني أخاف بعد السنة ... أخاف ... - ما الذي بث هذا الخوف في نفسك؟ - ما صرت إليه. - فقط؟! - ومنى ... - ابنة عمك. - نعم. - ولماذا تخيفك؟ - إنها معذورة، تعرف أنني أحبك وترى العقبات التي تقف بيننا، وتخشى إذا تخليت عني ...
Bog aan la aqoon