بيان حقارة الدنيا بالنسبة للآخرة
بين النبي ﵌ حقارة الدنيا وزهدنا في شهواتها، فقال ﵌: (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع)، وقال ﵌: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء).
فلو كانت الدنيا تعدل جناح بعوضة عند الله ﷿ ما سقى كافرًا منها شربة ماء، ولكنكم ترون الكفار والفجار أكثر حظًا ونصيبًا من الدنيا؛ وذلك لحقارتها عند الله ﷿، بل قال الله ﷿: ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف:٣٣ - ٣٥].
أي: لولا أن تكون الفتنة شديدة على أهل الإيمان فيصيرون أمة واحدة -أي: على الكفر- لجعل الله ﷿ لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفًا من فضة ومعارج عليها يظهرون، أي: أبراجًا وسلالم عليها يظهرون.
قال: ﴿وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف:٣٤ - ٣٥].
ثم جمع الله ﷿ الآخرة الباقية الدائمة، فجعلها كلها للمتقين، فقال ﷿: ﴿وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف:٣٥].
(مر النبي ﷺ والناس كنفيه -أي: من حوله- بجدي أسك ميت -أي: مقطوع الأذن- فتناوله بأذنه وقال: أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم؟ فقالوا: والله ما نحب أنه لنا بشيء، والله لو كان حيًا لكان عيبًا فيه أنه أسك، فقال النبي ﵌: والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم)، أي: كما زهدتم في هذا الجدي الأسك الميت، فالدنيا أهون على الله من هذا عليكم.
وقال ﵌: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، أو عالمًا ومتعلمًا)، وقال ﷺ: (ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل رجل قال في ظل شجرة ثم راح وتركها).
5 / 4