172

Lessons of Sheikh Ahmad Fareed

دروس الشيخ أحمد فريد

Noocyada

الحث على المبادرة بالتوبة الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، العالم بتقلبها وأحوالها، المان عليهم بتوافر آلائه، والمتفضل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي خلق الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وأنشأ البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بحكمته إرادته، وألهمهم حسن الأخلاق، وركب فيهم تشعب الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وفيما قضي وقدر عليهم يهيمون، وكل حزب بما لديهم فرحون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبده وابن عبده وابن أمته ومن لا غنى به طرفة عين عن فضله ورحمته، ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، وقد ترك أمته على الواضحة الغراء والمحجة البيضاء، وسلك أصحابه وأتباعه على أثره إلى جنات النعيم، وعدل الراغبون عن هديه إلى صراط الجحيم: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال:٤٢]، فصلى الله وملائكته وجميع عباده المؤمنين عليه كما وحد الله ﷿ وعرفنا به ودعا إليه. ثم أما بعد: عباد الله! قال بعضهم: المعاصي سلسلة في عنق العاصي لا يفكه منها إلا الاستغفار والتوبة. وقال بعضهم: أرقهم قلوبًا أقلهم ذنوبًا. وقال بعضهم: ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة. عباد الله! مصيبتنا في التفريط واحدة: إنا ليجمعنا البكاء وكلنا يبكي على شجن من الأشجان نحن في شهر ليس شهر الصيام والقيام والقرآن فحسب، ولكنه شهر التوبة وشهر الرجوع إلى الله ﷿؛ لأنه شهر تفتح فيه أبواب السماء، وتفتح فيه أبواب الرحمة، وتفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النيران، وتسلسل فيه الشياطين، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل! ويا باغي الشر أقصر. ثم إن النفس تنكسر بالصيام، ويطوع الصيام النفس الأمارة بالسوء للنفس المطمئنة، فمن لم يستطع قهر نفسه في رمضان، ومن لم يستطع أن يلزم نفسه تقوى الله ﷿ وطاعة الله ﷿ في رمضان فمتى يستطيع أن يقهر نفسه؟! ومتى يستطيع أن ينتصر على نفسه؟! ومتى يستطيع أن يطوع نفسه لله ﷿؟! والتوبة باب مفتوح بين العبد وبين ربه، فتح الله ﷿ هذا الباب العظيم، ودعا كل الناس للولوج من هذا الباب، فدعا الله للولوج من هذا الباب كل طوائف البشر، دعا الله ﷿ المنافقين، ودعا الله ﷿ المشركين، ودعا الله ﷿ اليهود والنصارى، ودعا الله ﷿ المسرفين على أنفسهم من أمة النبي محمد ﷺ، كما دعا الله ﷿ المؤمنين الصالحين، دعا الله ﷿ كل العباد للدخول من باب التوبة، فدعا إلى ذلك المنافقين فقال ﷿: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء:١٤٥ - ١٤٦]. ودعا المشركين فقال: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة:٥]، وقال: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة:١١]. كما دعا الله ﷿ اليهود والنصارى فقال: ﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ﴾ [المائدة:٧٣] ﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران:١٨١]. والذين قالوا: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا﴾ [المائدة:٦٤]، فقال ﷿ بعد أن ذكر حالهم: ﴿أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة:٧٤]. كما دعا الله ﷿ إلى التوبة المسرفين على أنفسهم من أمة النبي محمد ﷺ فقال: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:٥٣]. كما دعا الله ﷿ المؤمنين الصادقين، فنزل قول الله ﷿: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور:٣١]، فهذه آية مدنية -أي: نزلت بعد الهجرة- أمر الله ﷿ فيها الصحابة الكرام بالتوبة بعد الإيمان والهجرة والجهاد والصبر، وعلق فلاحهم بالتوبة، فقال: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَي

21 / 2