Lessons in Doctrine - Al-Rajhi
دروس في العقيدة - الراجحي
Noocyada
اللوازم الباطلة التي تلزم القائل بخلق القرآن
يقال للمعتزلة: أنتم نفيتم الصفات، وقلتم: إن القرآن مخلوق، فيلزمكم أحدكم أمرين: إما أن تقولوا: جميع الصفات مخلوقة كما قلتم في الكلام، وإما ألا تقولوا ذلك.
فإن قلتم: إن جميع الصفات مخلوقة مثل الكلام؛ فإنه يلزمكم أن تقولوا: إن علم الله مخلوق، وقدرته مخلوقة، وحياته مخلوقة، ومن قال: إن حياة الله مخلوقة فقد وصل إلى الكفر الصريح.
وإما أن لا تقولوا إن الصفات مخلوقة فتخالفون أصلكم.
وإما أن تفرقوا بين الكلام وبين غيره من الصفات، فتقولوا: الكلام مخلوق، وبقية الصفات ليست مخلوقة، فتقعون في التناقض، وهو دليل فساد معتقدكم.
وعلى كل حال فإن الشبهة التي يعتمدون عليها هي قولهم: لو أثبتنا الصفات لله للزم من ذلك التشبيه والتجسيم والتركيب؛ لأننا لا نرى متصفًا بالصفات إلا ما هو جسم، والأجسام تتشابه، وهي مركبة.
فيقال لهم: يلزمكم -أيضًا- أن تنفوا الأسماء إذا نفيتم الصفات؛ لأنكم لا ترون متصفًا بهذه الصفات إلا ما هو جسم، فكذلك انفوا الأسماء؛ لأنكم لا ترون مسمى بهذه الأسماء إلا ما هو جسم.
ويقال لهم أيضًا: ما مرادكم بالتركيب؟ وما مرادكم بالجسم؟ فالجسم يطلق على عدة أمور، فهل تريدون بالجسم البدن الكثيف، فإن الذي لا يسمى جسمًا في اللغة هو الشيء الخفيف، كالماء والهواء والنار، فمثل ذلك لا يسمى جسمًا في اللغة العربية، فهل مرادكم بالجسم البدن الكثيف؟! إن كان هذا مرادكم فالله منزه عن ذلك، وإذا أردتم بالجسم ما هو مركب من متباينين -كالحيوان المركب من الطبائع الأربع: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، والمركب من أعضاء- إن أردتم هذا فالله منزه عنه، وإن أردتم بالتركيب تركيب الجوار -كمصراعي الباب- فالله منزه عن ذلك أيضًا، وإن أردتم بالتركيب التركيب من الهيولى والصورة -والهيولى هي: المادة، والصورة هي: الشكل، كالخاتم مثلًا، فهو مركب من الهيولى وهي: المادة الصلبة أو الذهب، والصورة، وهي كونه دائريًا مثلًا- فالله منزه عن هذا، وإن أردتم بالجسم ما هو مركب من الجواهر المفردة -وهي الأجزاء التي لا تقبل الانكسار- فالله منزه عن ذلك، وإن أردتم بالجسم ما هو متصل بالصفات -أي: كونه يسمع ويبصر ويعلم ويُرى يوم القيامة- فنحن نثبت هذه المعاني لله ولا ننفيها عنه، لكونكم تسمونهًا جسمًا وتركيبًا.
وهم يقولون: من اتصف بالصفات فهو مركب، وإثبات الصفات عندهم تركيب، ونقول: هذا باطل، فنحن نثبتها لله ولو سميتموها تركيبًا، فالتسمية هذه باطلة، فالله متصف بالصفات كالعلم والقدرة والبصر وسائر ما ورد في الكتاب والسنة، وهذه نثبتها لله ولو سميتموها تركيبًا، وهذه التسمية لا تمنعنا من إثبات الصفات لله ﷿؛ لأن العبرة بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وهذه هي طريقة أهل الزيغ الضلال، فهم يسمون الحق بأسماء باطلة؛ كي ينفروا الناس عنها، والعبرة بالمعاني والحقائق، فإذا سميت الأشياء الباطلة بأسماء تتضمن معاني صحيحة لا تخرجها هذه التسمية عن كونها باطلة، وكذلك إذا سميت المعاني الحقة بأسماء باطلة، فالتسمية لن تغير حقًا، كأن يصطلح الناس -مثلًا- على تسمية الخمر تسمية لا تنفر منه، فلو سموه شرابًا روحيًا أو الشراب اللذيذ، فهل معنى ذلك أن يكون الخمر حلالًا؟ لا؛ لأن الخمر حرام ولو سميته شراب الروح أو الشراب اللذيذ، وكذلك إذا سمى الناس الربا بالفائدة، أو العمولة، أو الربح المركب، وهو ربا، فهذه التسميات لا تخرجه عن كونه ربا.
فكذلك هؤلاء المعتزلة نقول لهم: إذا سميتم إثبات الصفات لله تركيبًا فهي صفات لله نثبتها، ولا تضرنا هذه التسمية الباطلة؛ لأن العبرة بالمعاني، فهذا هو الأصل الأول من أصول المعتزلة، وهو التوحيد.
4 / 12