174

Lessons in Doctrine - Al-Rajhi

دروس في العقيدة - الراجحي

Noocyada

شرك التبرك الشرك في التبرك كالتبرك بالأشجار، أو الأحجار، أو أن يتبرك ببقعة أو غار أو عين أو موطئ أو أثر أو مقام كمقام إبراهيم أو صخرة بيت المقدس أو حجرة النبي ﷺ. ومعنى التبرك: اعتقاد البركة ورجاؤه في هذا الشيء الذي يتبرك به. وهذا هو الذي وقع فيه المشركون في زمن النبي ﷺ؛ فإنهم كانوا يدعون أوثانهم، ويذبحون لها وينذرون ويرجون ويؤملون منها، فهؤلاء وقعوا في الشرك الأكبر، فإذا تبرك بشجر، أو بحجر، واعتقد أن البركة حاصلة في ذاتها؛ فقد وقع في الشرك الأكبر؛ لأن الله لم يجعل فيها تلك البركة التي يعتقدها. أما إذا اعتقد أن البركة من الله، ولكن الله جعل هذه الشجر سببًا للبركة، أو هذا الحجر سببًا للبركة، أو هذا المقام سببًا للبركة فهذا شرك أصغر؛ لأنه اعتقد أن البركة من الله، لكنه اعتقد أن هذا الشجر فيه بركة، أو أن هذا الحجر فيه بركة، أما إذا اعتقد أن البركة ذاتية فيها فهذا شرك أكبر. أما إذا كان الشخص فيه خير، وجعل الله على يديه خيرًا ونفعًا وقيل له: أنت رجل مبارك، أو هذه من بركتك، فهذا لا بأس به، والدليل على ذلك: ما ثبت في الصحيحين في قصة التيمم، فإن النبي ﷺ في إحدى الغزوات لما أراد الرحيل انقطع عند رحيله عقد لـ عائشة، فحبس النبي ﷺ الناس، وأرسل رجالًا يطلبون عقد عائشة، وذهبوا بعيدًا فلم يجدوه، وحضرت الصلاة وليس عندهم ماء، ولم يكن شرع التيمم بعد، فصلوا بغير ماء ولا تيمم، فلما بعثوا البعير وجدوا العقد تحته، وأقسام الناس وليس معهم ماء، وحضرت الصلاة، فأنزل الله آية التيمم، فتيمم الناس، فقال أسيد بن حضير لـ عائشة ﵂: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. أي: هذه من بركاتكم التي جعل الله فيكم حيث حبست الناس من أجل العقد، ثم أنزل الله آية التيمم. قال: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر -يخاطب عائشة - فو الله ما نزل بكِ أمرٌ تكرهينه إلا جعل الله لك منه مخرجًا، وللمسلمين منه خير وبركة. أو كما جاء في الحديث، وأقره النبي ﷺ على هذه المقالة. وهذه قصة فيها فوائد، منها: أولًا: أن فاقد الماء والتراب يصلي بغير ماء ولا تراب؛ لأن الصحابة الذين أرسلهم النبي ﷺ يلتمسون العقد حضرت الصلاة وليس معهم ماء، ولم يشرع التيمم، فصلوا بغير تراب ولا ماء، فدل ذلك على أن فاقد الطهورين يصلي بغير ماء ولا تراب، مثل إنسان مريض في المستشفى لا يستطيع أن يتيمم وليس عنده تراب، ولا عنده أحد ييممه، ولا يستطيع الوضوء، فيصلي بالنية على حسب حاله، أو إنسان محبوس، أو مصلوب على خشبة لا يستطيع أن يتيمم، فيصلي بغير ماء ولا تراب. ثانيًا: أن النبي ﷺ لا يعلم الغيب، ففيها الرد على من قال: إن الرسول ﷺ يعلم الغيب كما قاله بعض الطوائف التي غلوا في النبي ﷺ، ويدَّعون أنه يعلم الغيب، فالنبي ﷺ لم يكن يدري أين عقد عائشة، ولذلك أرسل رجالا ًيبحثون عنه، وذهبوا بعيدًا يبحثون عنه ولم يجدوه، فلما بعثوا البعير وجدوا العقد تحته، فلو كان يعلم الغيب لما بحث عنه، ولا أرسل أناسًا يبحثون عنه. وفي هذا الباب قصة أبي واقد الليثي ﵁ أنه قال: (غزونا مع النبي ﷺ غزوة حنين، وكنا حديثي عهد بشرك، فمررنا بالمشركين ولهم سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم -يعني: يعلقون بها أسلحتهم- يقال لها: ذات أنواط، فقلنا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط)، أي: اجعل لنا سدرة نتمسح بها ونتبرك، ونجعل عليها سلاحنا مثلهم، فأنكر ذلك عليهم النبي ﷺ وقال: (الله أكبر؛ إنها السنن، قلتم -والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف:١٣٨])، فالنبي ﷺ جعل مقالة الصحابة: (اجعل لنا ذات أنواط) كمقالة بني إسرائيل لموسى، فالعبرة بالمعنى. ولكن الصحابة لم يفعلوا الشرك، فهم قالوا ذلك عن جهل، واعتذر أبو واقد الليثي بقوله: (وكنا حديثي عهد بشرك) أي: أسلمنا قريبًا، فلما زجرهم النبي ﷺ انزجروا وامتنعوا فلم يفعلوا الشرك، ففيه دليل على أن الإنسان إذا طلب أن يفعل الشرك جاهلًا ثم منع منه، وبين له فانزجر وامتنع لا يقع في الشرك، وكذلك بنو إسرائيل لم يقعوا في الشرك؛ لأنهم ما فعلوا، وإنما طلبوا عن جهل، فبين لهم نبي الله موسى ﵇ وزجرهم عن ذلك، وكذلك نبينا محمد ﷺ بين لهم أن هذه المقالة مثل مقالة بني إسرائيل، فلم يقعوا في الشرك، كما أن بني إسرائيل أيضًا لم يقعوا في الشرك. فالمقصود أن التبرك بالشجر والحجر وغيره إذا فعله الإنسان، واعتقد أن فيه بركة، فإن كان يعتقد أن البركة ذاتية منه فهذا شرك أكبر، وإن كان يعتقد أنه سبب، والبركة من الله، وأن الله جعله سببًا للبركة فهذا شرك أصغر. أما إذا استظل تحت الشجرة وعلق عليها سلاحه لا يقصد شيئًا من ذلك؛ فهذا لا شيء فيه.

8 / 8