126

Lessons from the Prophet's Mosque by Al-Uthaymeen

دروس الحرم المدني للعثيمين

Noocyada

تفسير قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) أما آخر سورة النحل وهي موضوع درسنا الآن فهي قول الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل:١٢٥] الخطاب في قوله: (ادع) لمن؟ للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقيل: إن الخطاب لكل من يصح أن يتوجه إليه الخطاب، النبي ﵊ وغيره؛ لأن القرآن نزل للأمة جميعًا، فإذا قال الله: (ادع) فالخطاب لكل مؤمن أن يدعو إلى الله، واعلم أن الخطاب الموجه في مثل هذه الصيغة ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يكون في السياق ما يدل على العموم. والقسم الثاني: أن يكون هناك دليلٌ على الخصوص. والقسم الثالث: ألا يكون فيه دليلٌ لهذا ولا لهذا. مثال الأول: قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق:١] فهنا وجه الخطاب أولًا إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم قال: (إذا طلقتم) والخطاب هنا للعموم بدليل الجمع، وعلى هذا فيكون الخطاب الموجه للرسول ﵊ له وللأمة بالنص: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ . الثاني: أن يكون هناك دليل على الخصوص، فهنا يختص الحكم بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مثاله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [المائدة:٦٧]، ومثل قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ [الشرح:١-٢] إلى آخر السورة، فهذا يختص بالرسول ﵊. القسم الثالث: ما يكون لا دليل فيه لهذا ولا لهذا؛ مثل هذه الآية الكريمة: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ [النحل:١٢٥] الخطاب موجه للرسول ﵊ لوحده، أو لكل من يصح خطابه؟ على قولين، واعلم أن الخلاف شبيه باللفظ في هذه المسألة؛ لأن الذين يقولون: إنه خاص بالرسول ﵊ يقولون: إن أمته يشملها الحكم باعتبار الأسوة، لقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب:٢١] . فإذا قال قائل: ما الأصل: الخصوصية أم العموم؟ فنقول: الأصل العموم، ولهذا لما أراد الله ﷿ الخصوصية نص عليها فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا﴾ [الأحزاب:٥٠] فما هو الدليل على الخصوص؟ ﴿إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا﴾ يعني: أباح الله له أن يتزوج بالهبة؟ ﴿خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ إذًا: هذا يدل على أنه إذا لم يدل دليل على أن الحكم خاص بالرسول وجب التعميم، وخذها قاعدة: كل حكمٍ ثبت للرسول ﷺ فهو ثابتٌ للأمة إلا بدليل. وعلى هذا فنقول: إن قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ يشمل الرسول ﷺ وغيره. وقوله: ﴿إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ ما هو سبيل الله؟ سبيل الله تعالى شرعه؛ لأنه طريق يوصل إلى الله ﷿؛ ولأن الله تعالى هو الذي شرعه فأضيف إليه، فيكون الشرع مضافًا إلى الله لوجهين: الوجه الأول: أنه موصل إلى الله. والوجه الثاني: أنه هو الذي شرعه لعباده وبينه لهم حتى يصلوا إلى الله ﷿: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ هنا إذا تأملنا كلمة (سبيل) وجدنا أنها تضاف أحيانًا إلى الله كما في هذه الآية، وأحيانًا تضاف إلى المؤمنين كما في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء:١١٥] فأضاف السبيل هنا إلى المؤمنين، فكيف نجمع بين الآيتين؟ مرة يضاف إلى الله ومرة يضاف إلى المؤمنين؟ نقول: الجمع بينهما سهل: أضيف إلى المؤمنين لأنهم هم السالكون له، وأضيف إلى الله لأنه شرعه وموصلٌ إليه، ومثل ذلك كلمة الصراط: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ﴾ [الشورى:٥٢-٥٣] ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة:٦-٧] فمرة أضاف الصراط إلى الله، ومرة أضاف الصراط إلى المؤمنين الذين أنعم الله عليهم، فكيف نجمع؟ أضيف إلى المؤمنين الذين أنعم الله عليهم؛ لأنهم هم الذين سلكوه، وأضيف إلى الله لأنه شرعه والموصل إليه.

5 / 3