Lessons from Sheikh Abdul Rahman Al-Mahmoud
دروس للشيخ عبد الرحمن المحمود
Noocyada
حكم الخوض في القدر
وبعد بيان أهمية بحث مثل هذا الموضوع ننتقل إلى جزئية أخرى تتعلق بما ورد من النهي عن الخوض في القدر؛ لأن بعض الناس قد يقول: إن الخوض في القدر هو خوض فيما لا علم للإنسان به، ويقولون: إن القدر سر من أسرار الله، وينبغي الكف عن البحث فيه، ويحتجون لذلك بما ورد عن النبي ﷺ من حديث ثوبان ﵁ وأرضاه أنه قال: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا) وهذا الحديث رواه الطبراني وغيره، وهو حديث حسن بمجموع طرقه.
والعلماء الذين عرضوا لمثل هذه القضية اختلفوا فيها إلى منهجين أو طريقتين: فبعضهم ظن أن دلالة هذا الحديث تقتضي أنه يجب الإمساك عن القدر تمامًا، وأنه يجب الكف عن الخوض والكلام فيه، وقال: إن هذا مهم جدًا لمن آثر السلامة.
وبعضهم قال: يجوز الخوض في القدر والكلام فيه، وضعف هذه الأحاديث.
والذي نرجحه أن هذه الأحاديث تصل بمجموع طرقها إلى درجة الحسن، ونهي النبي ﷺ فيها هو نهي واضح لا ينصب على بحث القدر على المنهج الصحيح؛ لأن الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان، وجاءت فيه أحاديث عن رسول الله ﷺ، بل وردت فيه آيات كثيرة في القرآن العظيم، فهل معنى ذلك أننا منهيون أن نبحث في معاني هذه الآيات وهذه الأحاديث؟
الجواب
لا، بل إن في الحديث ما يدل على مسألة القضاء والقدر وهي: أن النبي ﷺ قال في هذا الحديث: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا)، فما معنى وجوب الإمساك عن ذكر الصحابة؟ هل معنى ذلك أننا لا نتحدث عن الصحابة وأنسابهم وأسمائهم وجهادهم وأحوالهم وأقوالهم إلى آخره؟! لا، بل الواضح أن المقصود بذلك: إذا ذكر الصحابة بباطل، وصار الناس يخوضون فيهم بين مخطئٍ لهم وقائل فيهم بما لا يجوز، وخاصة ما جرى بينهم ﵃ وأرضاهم؛ فواضح جدًا أن هذا من الخوض الذي لا يجوز، وقد كان سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى إذا ذكروا مثل هذه القضايا المتعلقة بالصحابة يقولون: تلك دماء طهر الله منها أيدينا فيجب أن نطهر منها ألسنتنا، فلا نخوض فيهم بالباطل.
كذلك أيضًا القضاء والقدر، فمعرفته، ومعرفة الأدلة حوله، وأنه ركن من أركان الإيمان، وما يقوي الإيمان فيه، هذه من المسائل المتعلقة بالقدر التي يجوز الخوض فيها، بل مما يزيد الإيمان فيها أن يدرسها الإنسان ويتعمق فيها.
لكن إذا جاء خائض ليخوض في باب القدر بالباطل، ويأتي ليقول: لماذا قدر الله؟ لماذا كذا؟ لماذا كذا؟ ثم يأتي محتجًا ومعترضًا.
.
إلى آخره، ففي هذه الحالة ينطبق عليه قول النبي ﷺ: (وإذا ذكر القدر فأمسكوا).
11 / 5