159

Lessons by Sheikh Yasser Burhami

دروس للشيخ ياسر برهامي

Noocyada

حكم الاستهزاء بالدين وسب ما يتعلق به لابد في الإيمان من عمل القلب، كالإخلاص وإرادة وجه الله والدار الآخرة، وحب الله سبحانه وتعظيمه، وإذا كان الاستهزاء بالله وبآياته ورسله وكتبه والسخرية من ذلك قادحًا في أصل الدين مذهبًا له فإنه يحكم على صاحبه في الدنيا بالكفر، وفي الآخرة بالخلود في النار والعياذ بالله، حتى ولو زعم أنه ما قصد؛ فإنه قد زال من قلبه التعظيم لله ﷿ الذي يمنعه من الاستهزاء والسخرية والسب نعوذ بالله من ذلك، قال الله ﷿: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [التوبة:٦٥ - ٦٦]. وقد نزلت هذه الآيات في قوم من المنافقين كفرهم الله بهذه الكلمة، والظاهر أنه كان عندهم نفاق أصغر قادهم إلى الاستهزاء برسول الله ﷺ وبما يعد به عن الله، فقالوا: لئن كان ما يقول محمد حقًا فنحن شر من الحمير. والعياذ بالله! وقالوا: ما رأينا مثل أصحابنا هؤلاء -يعنون الرسول ﷺ والقراء من أصحابه- أرغب بطونًا ولا أجبن عند اللقاء. نعوذ بالله، فهم يتهمون الرسول ﷺ بأنه إنما يحب الأكل ويتهمونه أيضًا بالجبن، نعوذ بالله من ذلك، مع أنهم ذكروا ذلك في شأن الصحابة مع النبي ﷺ، فنزلت هذه الآيات، قال ﷿: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ [التوبة:٦٥]، وذلك أنهم لما ووجهوا بتلك الكلمات قالوا: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونلعب، ونتحدث حديث الركب نقطع به الطريق، أي: يتسلون بهذا الاستهزاء، فقال النبي ﷺ -وكان يتلو عليهم هذه الآية-: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة:٦٥ - ٦٦]، وتسمية ما كانوا عليه إيمانًا هو باعتبار أصل الإيمان الذي كان عندهم، ولكن قادهم النفاق الأصغر إلى أن وقعوا في النفاق الأكبر والكفر، والعياذ بالله. وهذا الاستهزاء منهم يسمى نفاقًا، رغم تصريح القرآن بكفرهم؛ لأنهم ما زالوا يزعمون الانتساب إلى الإسلام مع نطقهم بكلمة الكفر، ففاعل هذا منافق أظهر نفاقه فخرج من الملة بذلك، وإنما يبقى على أحكام الإسلام ظاهرًا طالما كتم النفاق في باطنه، وأما إذا أظهره على لسانه، وأظهر الكفر الأكبر في أعماله فهو منافق قد أظهر نفاقه، والعياذ بالله، ولا ينفعه الانتساب إلى الإسلام بقاؤه على هذا الانتساب، وإنما لابد من أن يجدد إسلامه بالتوبة الصادقة مما وقع فيه، وإنما امتنع النبي ﷺ عن قتل هؤلاء الذين قالوا مثل هذه الكلمات؛ لأنهم كانوا يظهرون الرجوع والتوبة إلى الله ﷾، ولذا قال ﷿: ﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾ [التوبة:٦٦] فدل ذلك على أنهم أظهروا الرجوع، ولكن ليس كل واحد منهم صادقًا في الرجوع والتوبة، وإنما بعضهم قد صدق وبعضهم لم يصدق، ولأن الأحكام في الدنيا تبنى على الظاهر، فقبل النبي ﷺ توبتهم الظاهرة وامتنع عن قتلهم، وإلا فلو أصروا على ما كانوا عليه من الاستهزاء والسخرية من القرآن ومن وعد الله ﷿ على لسان رسوله ﷺ، ومن الالتزام بالدين فذلك الإصرار لا يبقى معه شيء من أحكام الإسلام، لا في الدنيا ولا في الآخرة. والسب أعظم من ذلك أفظع، والعياذ بالله، وهو أشد من السخرية والاستهزاء، لأن الاستهزاء والسخرية تعريض بالسب، وأما السب فصريح، فهو أغلظ، وهو كالضرب للوالدين بالنسبة إلى كلمة (أفٍ)، فإذا منع من قولها للأبوين فلا يتصور أن يباح الضرب، أو يكون في منزلتها، فهو أشد وأغلظ، فمن سب الله ﷿، أو رسوله ﷺ، أو كتابه، أو نبيًا من الأنبياء، أو دينه ﷾ فقد نقض إيمانه بالكلية، فإن الإيمان -كما ذكرنا- ليس مجرد المعرفة، لكنه تصديق مقرون بحب وتعظيم، وانقياد وخضوع، وخوف من الله ﷿ ورجاء له، وشكر، وتوكل عليه.

14 / 7