166

Lessons by Sheikh Safar al-Hawali

دروس للشيخ سفر الحوالي

Noocyada

الغلو في المحبة والمقصود أن الأمر ليس أمر عاطفة، كما يقول صاحب البردة: دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكم فهو يقول: لا تقل ابن الله وقل أي شيء، فهذا ليس من محبة الرسول ﷺ، ولا من تعظيم الرسول ﷺ، ولا من تعزيره وتوقيره الذي أمر الله به، فكل إنسان إذا أطلق سجيته فقد يشطح ذات اليمين وذات الشمال، ولهذا الغالبية من الناس انحرفوا في محبته ﷺ، وخاصة في القرن التاسع والعاشر والحادي عشر، إلى أن أصبح الحال أنك إذا قرأت ما كتبوه عن الرسول ﷺ وقارنته بما تعلم وبما يعلمه المسلمون الذين يقرءون سيرته ﷺ من المصدر الأول للسيرة وهو القرآن الكريم، الذي فيه سيرة النبي ﷺ وصفاته وكثير من أعماله وأحواله وحدود بشريته وحدود مقامه في القرآن، وأيضًا في الأحاديث الصحيحة، فإذا قارنت ذلك مع ما تقرأه لهؤلاء المتأخرين عن وصف النبي ﷺ وطابقته بما تجده في القرآن والسنة تجد الفارق العجيب، تجد أن هؤلاء لا يتكلمون عن رسول الله ﷺ ذلك الإنسان المكرم الذي أوحى الله إليه، وأنزل إليه الروح الأمين، وهدى به العالمين، ونشر به وقوم به الملة المعوجة، وفتح به الآذان الصم، والقلوب الغلف، والأعين العمي و، مما هو معروف من صفاته ﷺ، بل عن شخصية غريبة أسطورية لا تظن ولا تتوقع أنها وجدت على هذه الأرض أو توجد، فيصفونه بأنه خلق من نور الله، وأنه وجد قبل الكائنات، وأنه حي أبدًا، وأنه يحضر كل مكان يقام له فيه محافل بدعية وما أشبه ذلك، وأنه يتكلم ويرى ويسمع ويخاطب، ويُرى في اليقظة، ويأمر وينهى ويشرِّع، ويخاطب الأولياء ويقول لهم أشياء وصفات غريبة، إذا قارنتها بما تعلم من صفات النبي ﷺ، علمت أن هذا ليس هو رسول الله ﷺ، الذي نعرف صفته من القرآن ومن السنة الصحيحة، فبلغ بهم الغلو إلى هذا الحد -نسأل الله العفو والعافية-. ومع ذلك يزعمون ويدعون أن ذلك محبة واتباع وأن من خالفهم في ذلك فهو عدو للرسول ﷺ أو مبغض له، وهذا هو المعيار الذي جعلوه، أما ما جعله الله في كتابه فهو قوله: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران:٣١] وقوله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:٦٥] فهذا هو الذي أمر الله ﷾ به، وقال: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب:٣٦] وقال في سورة النور: ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور:٤٧] وإن ادعوا الإيمان وإن ادعوا المحبة لا يمكن أن يكونوا مؤمنين ولا محبين إذا خالفوا ما أمر الله به وما جاء عن رسول الله ﷺ. وأعظم ما جاء به المرسلون صلوات الله عليهم هو التوحيد، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:٣٦] فهذا أعظم شيء جاء به النبي ﷺ وجاهد الناس فيه. وقد قال له ربه ﷿ وهو المجاهد في التوحيد وللتوحيد، والذي سد كل الذرائع إلى الشرك: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الزمر:٦٥ - ٦٦] والخطاب لرسول الله ﷺ، إمام الموحدين، المجاهد في ذات الله، وعمره كله في توحيد الله يقول له ربه: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر:٦٥] وكما قال من قبل لإبراهيم الخليل، وهو إمام الموحدين قبله ﷺ: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ [الحج:٢٦] فنهاه عن الشرك كما نهى النبي ﷺ، ونحن من بعدهما تبعٌ لهما، فإذا كان هذا أعظم ما أمر الله تعالى به وأعظم ما جاء الأنبياء به وعلى رأسهم محمد ﷺ سيد ولد آدم يوم القيامة، الذي أظهر الله ﵎ به الدين القويم، ونشر الله به دينه وأظهره على الدين كله، حتى دانت له الأرض جميعًا إلا ما قل، وإذا كان التوحيد هو أعظم الأمور عند النبي صلى الله عليه سلم فأعدى عدو له هو من يأتي بالشرك، ومن يدعو إلى الشرك، كائنًا من كان وزاعمًا ما زعم من محبة الله أو محبة رسول الله ﷺ. فالرسول الله ﷺ لم يقبل من أصحابه أن يرفعوه فوق منزلته التي أنزله الله إياها، مع ما كانوا يقدرونه ويوقرونه ويعزرونه وهم أعرف الناس بذلك، يقول أنس بن مالك ﵁: [[ما كان أحد أحب إلى أصحاب رسول الله ﷺ من رسول الله ﷺ -أبدًا لا يمكن أن يكون أحد، وقال:- وما كانوا يقومون له لعلمهم أنه كان يكره ذلك]] مع هذه المحبة العظيمة للرسول ﷺ الذي كانوا يتتبعون آثار وضوئه، ويأخذون شعره إذا حلق، ويتمنون أن يصافحوه أو أن يروه، فمجرد رؤيته كانت شيئًا عظيمًا بالنسبة لهم، ومع محبتهم العظيمة له كان إذا دخل ﷺ أرادوا أن يقوموا له -لأنهم يشعرون بالمحبة- ولكن لا يفعلون ذلك لأنه ﷺ يكره ذلك، وقد نهاهم عنه، وقال: ﴿إنما هذا فعل الأعاجم مع ملوكهم﴾ فهذا ليس من دين الإسلام، وليس من اتباع محمد ﷺ، ولهذا لا يفعلونه مع شدة محبتهم للنبي ﷺ، تلك المحبة التي كانوا يحتسبونها عند الله على أنها أعظم عمل من الأعمال كما جاء في حديث أنس ﵁: ﴿قدم أعرابي إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ فقال النبي ﷺ: وما أعددت لها؟ فقال: ما أعددت لها كثير صيام ولا صلاة ولا صدقة، غير أني أحب الله ورسوله، فقال النبي ﷺ: المرء مع من أحب، يقول أنس ﵁: فما فرحنا بشيءٍ يومئذٍ فرحنا بقوله ﷺ: المرء مع من أحب فأنا والله أحب رسول الله ﷺ وأبا بكر وعمر وأرجو أن أحشر معهم﴾. فهم كانوا يعرفون المحبة ويحتسبونها كأعظم عمل من الأعمال، ويرجون بها أن يبلغوا من المنزلة والدرجة ما لا تبلغه أعمالهم من المنزلة والدرجة، ولكن مع ذلك ورغم هذه المحبة وعمقها، هل كانوا يخالفون أمره ﷺ حتى فيما يتعلق بتعظيمه؟ لا، لأنه ﷺ سد جميع الطرق والذرائع التي تؤدي إلى ذلك.

6 / 12