رسالة إلى أصحاب الأَسِرّة البيضاء
وأوجه رسالة إلى أصحاب الأَسِرّة البيضاء، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر هذا اللقاء.
أيها المسلمون المعتلون الصابرون! اصبروا وأبشروا، إن صبركم على البلاء لا يعلم جزاءه إلا رب الأرض والسماء، قال جل وعلا: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر:١٠] وقد وعدك الله أيها المبتلى الصابر بأن يصلي عليك، وبأن يرحمك، وبأن يهديك، فقال سبحانه: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة:١٥٥ - ١٥٦] انظروا إلى الجزاء: ﴿أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة:١٥٧] فضل الله جل وعلا عليك عظيم أيها المبتلى الصابر! يا من حبسك المرض على السرير الأبيض! يا من حبسك البلاء في أي موطن من أرض الله جل وعلا! أيًا كان هذا البلاء، اصبروا وأبشروا، واعلموا أن الحياة الحقيقية هي حياة القلوب، واعلموا أن الحياة الحقيقية هي: أن لا يغفل لسانكم عن ذكر علام الغيوب، وإن حبست فيكم الأعضاء والأبدان والقدمان واليدان.
وأبشروا بموعود الله وبموعود رسول الله ﷺ ففي الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي يحيى صهيب الرومي أن النبي ﷺ قال: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له).
وأبشروا أيها المبتلون الصابرون! بحديث رسول الله ﷺ الذي رواه البخاري وغيره قال: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)، وفي الحديث الآخر: (ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما له خطيئة، وقد ابتلي المصطفى بالحمى، وانتفض جسد الحبيب من شدة حرارتها، ودخل عليه ابن مسعود -والحديث في الصحيحين- وقال ابن مسعود: (إني أراك توعك وعكًا شديدًا يا رسول الله! فقال المصطفى: أجل يا عبد الله إني لأوعك كما يوعك الرجلان منكم)، فقال ابن مسعود: ذلك بأن لك لأجرين يا رسول الله؟ قال: (أجل، فما من مسلم يصيبه أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها)، المرض يحط عنك الخطايا أيها المسلم المبتلى الصابر! أيها المبتلى الصابر أبشر بحديث رسول الله ﵌ الذي رواه أحمد والترمذي وهو حديث حسن صحيح، من حديث مصعب بن سعد بن مالك عن أبيه قال: (سألت النبي ﷺ: يا رسول الله! أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا زيد في البلاء، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه)، فالبلاء رحمة، إن صبرت عليه يكفر الله به عنك الخطايا أيها المبتلى المسلم الصابر! وأذكركم يا أصحاب الأسِرَّة البيضاء بهذا الحديث الصحيح عن رسول الله ﷺ (لا يتمنين أحدكم الموت لضر وقع به، فإن كان لا بد فاعلًا فليقل: اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي).
وأختم لكم هذه الرسالة أيها المسلمون الصابرون! بهذه الكلمات الدقيقة لـ شداد بن أوس ﵁ إذ يقول: (أيها الناس لا تتهموا الله في قضائه، فإنه لا يظلم أحدًا، فإذا أنزل الله بك خيرًا تحبه فاحمد الله على العافية، وإذا أنزل بك شيئًا تكرهه فاصبر واحتسب، فإن الله عنده حسن الثواب).
أسأل الله جل وعلا أن يغفر لهذه المرأة المسلمة، وأن يتقبلها عنده في الشهداء، إذ إن النبي ﷺ قد أخبر: أن من مات من المسلمين ببطنه فهو شهيد عند الله جل وعلا، والحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة، قال النبي ﷺ: (ما تعدون الشهداء فيكم؟)، قالوا: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، فقال المصطفى: (والله إن شهداء أمتي إذًا لقليل! من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات بالطاعون فهو شهيد، ومن مات في بطن فهو شهيد)، وفي الحديث الصحيح: (ومن مات في غرق فهو شهيد)، وفي حديث صحيح: (ومن ماتت بجُمع -أي: ماتت المرأة وهي تضع ولدها، أو ماتت وهو في بطنها- فهي شهيدة)، هذا فضل الله جل وعلا، فأسأل الله أن يتقبلها عنده في الشهداء، وأسأل الله لجميع إخواننا وأخواتنا من أصحاب الأسِرَّة البيضاء، ممن ابتلاهم الله جلا وعلا بالأمراض والبلاء، أن يجعل شفاءهم سهلًا ميسورًا، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعل شفاءهم سهلًا ميسورًا يا أرحم الراحمين! اللهم أبدلهم لحمًا خيرًا من لحمهم، ودمًا خيرًا من دمهم، وأنزل عليهم رحمة عاجلةً من عندك يا أرحم الراحمين! أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
18 / 7