313

Lessons by Sheikh Muhammad Hassan Abd Al-Ghaffar

دروس الشيخ محمد حسن عبد الغفار

Noocyada

مكانة النبي ﷺ عند الصحابة
انظروا كيف كان الصحابة الكرام يضحي كل واحد منهم بنفسه وحياته وماله فداءً لرسول الله ﷺ.
إليكم نبأ هؤلاء الأخيار ماذا فعلوا مع رسولهم ﷺ، والصحابة هم أفضل البشر على الإطلاق بعد الأنبياء والمرسلين، وأحسن الناس خلقًا، وأكثرهم علمًا، وأبرهم قلوبًا، ومن عظيم فضلهم رؤيتهم لسيد المرسلين، وأهم مناقبهم رؤية وجه النبي الكريم.
فكان أحدهم من شدة تعظيمه له لا يستطيع أن يديم بصره إلى وجه النبي الكريم، مع أن النظر إلى وجه النبي الكريم ﷺ من أعظم المناقب كما سلف وذكرنا.
قال عمرو بن العاص ﵁ وأرضاه واصفًا إسلامه: أتيت النبي وكان أبغض الناس إلي، فلما أسلمت كان النبي ﷺ أحب الناس إليّ، وكان من شدة تعظيمه له لا يستطيع أن يرفع بصره إليه، ولو طُلب منه أن يصف النبي ﷺ ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، فما كان يستطيع النظر في وجه النبي ﷺ تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا للنبي ﷺ، ومهابة لرسول الله ﷺ، فكانوا يحبونه من كل قلوبهم، ويفدونه بكل غالٍ وثمين، ويقدمون النبي ﷺ على كل شيء، ويضعون نصب أعينهم قول ربهم جل في علاه: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف:١٥٨]، ويقدمون قول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب:٢١].
وصح عن نبينا ﷺ أنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه) وهذا الحديث يتوقف عنده كل واحد منا ويخلو بربه ويخلو بنفسه، بعدما سمع ورأى الحرب الضروس على نبينا، والاستهتار بجلاله والخفض من مكانة النبي ﷺ ويسأل نفسه: هل رسول الله أحب إلى أحدنا من نفسه ومن والده ومن ولده ومن الناس أجمعين؟ الإجابة تفصل لك الإيمان ومكانتك عند ربك جل في علاه، لو أنك وقفت موقفًا ورأيت رجلًا سفيهًا قد علا صوته واشتد خطبه عليك وسبك وسب أباك وأمك ومن تعرف، فكيف سيكون موقفك؟ حبك لأبيك يدفعك للرد فكيف برسول الله ﷺ؟! فكل منا يقف وقفة مع نفسه ويقول: إن النبي أناط الإيمان بأن أقدمه على نفسي وعلى أبي وعلى أمي وعلى كل شيء، فهل كل منا قدم رسول الله ﷺ على كل شيء؟ الإجابة عندكم، وكل منا سيضع الدرجة التي يكون فيها ومكانته عند ربه جل في علاه لقول النبي ﷺ كما في الصحيحين: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين).
وقد أظهرت لنا المواقف الرائعة مكانة رسول الأنام عند صحبه الذين برأهم ربهم من درن كثير من الآثام، وإجمالًا سنحكي لكم حالهم مع رسول الله ثم يأتي بعد الإجمال التفصيل.
كانوا جميعًا عند رسول الله ﷺ يتمنى أحدهم حمل نعله والآخر يحمل وسادته، وإذا توضأ تزاحموا على فضل وضوئه، وإذا تنخم مسحوا بما تنخم به جلودهم تبركًا بالنبي ﷺ.
وهذا عروة بن مسعود الثقفي يحكي لنا كيف كان وضع النبي ﷺ بين أصحابه الكرام قال: لقد وفدت على الملوك وعلى قيصر وعلى كسرى والنجاشي والله! ما رأيت ملكًا يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمدًا، والله! ما تنخم نخامة ووقعت في كف رجل منهم إلا دلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، ولا يحدون إليه النظر تعظيمًا له ومهابة له.
ويقول أنس ﵁ وأرضاه: ما فرح أصحاب محمد بشيء أشد من فرحهم بقوله ﷺ: (المرء مع من يحب) وكلهم يحب النبي ﷺ ويتمنون مرافقة رسولهم ﷺ في الدنيا وفي الآخرة.
ولذلك لما قدم مولى رسول الله الوضوء لرسول الله قال له النبي ﷺ مكافأة: (تمن علي، فقال له مولاه: أتمنى مرافقتك في الجنة.
فقال: أوغير ذلك؟ قال: هو ذلك) ما عندي إلا ذلك، الدنيا بأسرها لا تساوي دقيقة واحدة بالنظر في وجه النبي ﷺ، اللهم! لا تسقطنا من هذه المكانة أبدًا، اللهم! اجمعنا معه في الفردوس الأعلى يا رب العالمين، فقال له النبي ﷺ: (فأعني على نفسك بكثرة السجود)، هذا إجمال حالهم مع رسول الله.
أما تفصيلًا: فهذا أبو بكر خير الناس بعد النبيين والمرسلين لقول النبي ﷺ: (ما طلعت الشمس على مثل النبيين والمرسلين مثلما طلعت على أبي بكر)، ﵁ وأرضاه قد فدى رسول الله ﷺ بأهله وماله، وقال النبي ﷺ: (كنتم تقولون: كذب ويقول: صدق، سدوا عني كل خوخة إلا خوخة أبي بكر، واساني بأهله وماله)، لما هاجر مع رسول الله ﷺ كان يتذكر العدو من الأمام فيأتي أمام النبي ﷺ خوفًا على حياة رسول الله ﷺ، حياته لا تساوي شيئًا أمام حياة النبي ﷺ، ثم يتذكر الطلب من قريش فيأتي خلف النبي ﷺ، ثم يأتي يمينًا ثم يأتي يسارًا! كان الصحابة حين يجلسون مع رسول الله أو حين يرون طعامه أو شرابه أو نومه يتأدبون بأدب جم مع هذا النبي الكريم كما في الحديث: (كنا نسير أمام رسول الله ﷺ ونترك ظهره للملائكة)، ويصف لنا أحد الصحابة الكرام مجلسه قال: كنا في مجلس رسول الله ﷺ كأن على رءوسنا الطير! هيبة وتعظيمًا لمجلس رسول الله ﷺ.
ولا غرو ولا عجب فقد تأدب بأدبهم التابعون وفعل ذلك الذين تبعهم بإحسان، فيذكر أهل السير من مناقب مالك أنه كان ما يجلس مجلس التحديث ليروي حديثًا عن النبي ﷺ حتى يغتسل ويتطيب، وكان الناس يرونه يمشي في المدينة حافيًا فيسألونه: لم تفعل ذلك؟ فكان يقول: تعظيمًا لرسول الله ﷺ.
بل فوق ذلك كان شغوفًا بالعلم، لكن كان إذا جلس ليكتب حديث النبي ﷺ يعلوه الوقار والسكينة، وفي ذات مرة في مجلس التحديث تزاحم الناس على ربيعة شيخ الإمام مالك فما وجد مكانًا ليجلس ويكتب الحديث، فكان قائمًا والناس يكتبون، ومالك لا يكتب فعلتهم الدهشة! فسألوه: لم لا تكتب حديث النبي ﷺ؟! فقال: كنت قائمًا فعظمت حديث النبي أن أكتبه وأنا قائم، فلا بد من الجلوس والتعظيم والتبجيل والتوقير لمجلس رسول الله ﷺ في حياته وبعد مماته.
علت أصوات الصحابة أبو بكر وعمر أمام رسول الله ﷺ في ذات مرة فنهاهم الله عن ذلك وردهم ردًا رادعًا زاجرًا، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات:٢]، فيبكي عمر ويبكي أبو بكر ويقولان: حبطت الأعمال، فكانوا يجلسون مجلس النبي ﷺ يخاف أحدهم أن يتنفس النفس وله صوت عند رسول الله ﷺ فينزل تحت طائلة هذه الآية العظيمة! ومن أدبهم مع رسولنا الكريم أنهم كانوا يطرقون بابه بالأظافر خوفًا وهيبة وتعظيمًا لهذا الرسول العظيم الذي عظمه ربه جل في علاه.
وهذا ابن عمر ﵁ وأرضاه في أسفاره كان يتلمس أي مكان ينزل فيه الرسول فينزل في هذا المكان، يضع القدم على القدم، ويقول: ليت القدم يكون على قدم رسول الله ﷺ، حتى سأل الصحابة: أين كان يبول رسول الله ﷺ؟ فيذهب فيبول في المكان الذي بال رسول الله ﷺ فيه! وجاء رجل من أهل اليمن إلى ابن عمر يسأله عن حج النبي ﷺ وطواف النبي ﷺ بالبيت فقال: (كان رسول الله ﷺ أول ما يبتدئ بالوضوء يتوضأ ويدخل إلى البيت فيذهب إلى الحجر الأسود فيقبله، فقال اليمني: أرأيت يا ابن عمر إن دفعوني، يقول: رأيت رسول الله يقبل الحجر، يقول: يا ابن عمر أرأيت إن زاحموني، يقول: رأيت رسول الله يقبل الحجر، اقتداء واحتذاء برسولنا الكريم ﷺ، فقال له: أرأيت يا ابن عمر! لو قتلوني، فقال: اجعل أرأيت في اليمن، قد رأيت رسول الله يقبل الحجر)، حتى ذكر عن ابن عمر أنه كان يقف ليقترب من الحجر فيدفعونه حتى يرعف وينزل الدم من أنفه ومن وجهه ولا يتحرك حتى يقبل الحجر ويقول: (رأيت رسول الله يقبل الحجر)، ولا غرب ولا عجب، فأبوه كان يأتي إلى الحجر الأسود ويقبله ويقول: (والذي نفسي بيده! قد علمت أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك).
وهذا أنس كان لا يحب الدباء، قال: (جلست مجلسًا مع رسول الله ﷺ وكانت الدبا على المائدة، ورسول الله يتتبع الدباء في الصحفة، فأصبحت أحب الدباء منذ رأيت رسول الله ﷺ يحب أكل الدبا).
وأبي بن كعب ﵁ وأرضاه فضيلته مشهورة معروفة، فإن النبي ﷺ صلى بالناس فنسي آية فما رد عليه أحد، فلما سلم قال: (أفي القوم أبي؟ فقال: هأنذا يا رسول الله! فقال: لم لم ترد علي؟ فقال: خشيت أو استحي

27 / 6