Lessons by Sheikh Al-Albani
دروس للشيخ الألباني
Noocyada
ما الفقر أخشى عليكم
درسنا في هذه الليلة في الحديث الثاني والستين، وهو قوله: وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم التكاثر، وما أخشى عليكم الخطأ ولكن أخشى عليكم التعمد) رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
هذا الحديث في الطرف الأول منه جزء من الحديث السابق في الدرس الأخير، من حديث عمرو بن عوف الأنصاري، وفيه يقول الرسول ﵇ بعدما جاءه مال الجزية من البحرين، وتعرَّض له أصحابه ﵊، يريدون أن ينالوا ما لهم من حق في ذلك المال الذي أتي به من البحرين، فقال لهم ﵊: (أبشروا وأملوا ما وصلكم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم) طرف من هذا الحديث حديث أبي هريرة: (ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم التكاثر) .
وكأن هذا الحديث بفقرتيه مأخوذ من القرآن الكريم.
أما الفقرة الأولى: (ما الفقر أخشى عليكم، إنما أخشى عليكم التكاثر) فذلك قوله ﵎: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ [التكاثر:١] فهذا خطاب لعامة البشر، كأن الله ﷿ يشير إلى أن طبيعة البشر الذين لم يربَّوا على الإسلام، وعلى أخلاق الإسلام، ولم يتأثروا بأوامر الإسلام ووعي الإسلام؛ أنهم يحبون التكاثر في الأموال والأولاد، وأن ذلك ديدنهم وشغلهم، حتى يزوروا المقابر، أي: الموت ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ [التكاثر:١] هذا خطاب لعامة البشر، فلا ينجو من هذا الخطاب إلا المسلم الذي تربى بتربية الإسلام، وتأدب بآداب الإسلام.
فيخشى الرسول صلوات الله وسلامه عليه على أصحابه أصلًا، وعلى من يأتون من بعدهم تبعًا، يخشى عليهم التكاثر في الأموال، ولا يخشى عليهم الفقر؛ لأن الله ﵎ قد أخبر نبيه ﵊ بكثير من المغيبات، ومنها: أن الله ﷿ سيفتح له كسرى وقيصر، وقد تحقق ذلك كما هو معروف في الأحاديث الصحيحة وأخبار السيرة.
ولذلك قال لهم: (ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى عليكم التكاثر) كأنه يقول لهم: لا تكونوا من عامة الناس، الذين يلهيهم التكاثر حتى يزوروا المقابر -حتى يموتوا- فلا ينفعهم إن ماتوا مالهم، كما مر معنا في أحاديث كثيرة: إن المسلم أو المرء إذا مات يتبعه ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى معه عمله.
ولذلك فالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الحديث والحديث السابق وأمثالهما كثير، يخشى على أمته المال، أي: الغنى والثروة، ولا يخشى عليهم الفقر، وهذا هو واقع الأمة الأولى والجيل الأول من المسلمين.
وأما واقعنا اليوم، فنحن لا نكاد نرى فقيرًا يشكو من الجوع أو من العري، هذا لا يمكن! فهذا الذي هو أفقر الناس تراه متظاهرًا بأحسن اللباس، وقد يأكل أنواعًا من الطعام وألذه، ولذلك فلا ينبغي للمسلم أن يخشى الفقر.
وقد سبق أن ذكرنا أن المال فتنة، كما قال ﵊: (إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال) فهذا الشطر الأول من الحديث، وهو كما قلنا مشتق من هذه الآية الكريمة: ﴿أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ﴾ [التكاثر:١] .
6 / 2